ماجد المرهون
يُركز النَّاس جُل اهتمامهم وفي مُعظم الأحيان على الأمر الجيِّد، طبعًا وما علاه والذي اقترن مع مرور الوقت برمز الموجب وقد يختلف معدلُ الإيجابيةِ لنفس الحدث من مكانٍ ومجتمعٍ إلى مكانٍ ومُجتمعٍ آخرين وربما حدود إيجابية شخصٍ ما لا تعتبر كذلك عند آخر وكذلك الأحداث "فمصائِب قومٍ عند قومٍ فوائدُ"، وكما ارتبط الخطأ والإخفاق والفشل بعلامة السالب ارتبط معه بالتوازي مشاعر القلق والخوف والإحباط.
في عالم الرياضيات والكهرباء والمغناطيس وحتى الطقس لا يُعبِّر الموجبُ عن الحسن ولا السالبُ عن السوء؛ فكلاهما يعضد بعضًا، وإن تنافرا، ولكلٍ ضرورة في بقاء الآخر، ولكن نحن من قيد ذلك ذهنيًا وعمليًا بإسقاطه على حياتنا العامة كلها في مُقاربات بين البساطة والتعقيد والفرح والحزن والأمان والخطر، ولن نحظى بالنتائج المنشودة إذا وقفنا عند نقطة الصفر خوفًا من التجربة والتي قد ينتج عنها إخفاقات تنضوي تحت عرف السلبيات وهي ليست كذلك بقدر ماهي دروس ما لم نستسلم، وسنصلُ مع الاعترافِ بها وتطويرها مع الوقت إلى تداركها قبل حدوثها وهو أعلى مستويات النجاح والذي نعتبره يقينًا من الإيجابيات.
إنَّ التطور الإنساني يميلُ إلى التبسيطِ والتسهيل في متطلبات حياته وممارساته ليصل في مرحلةٍ من مراحل تطوره إلى اختزال المفاهيم العامة وضغطها حتى تؤدي كلمة واحدة إلى شرح دلالة عميقة ربما يطول تفسيرها، فكلمة الضمير على سبيل المثال لم تكن مستخدمة قديمًا واليوم يستخدمها النَّاس بشكل مفرط وقد يطولُ شرح مضمونها من الجانب الحسي لمعنى الرقيب الداخلي للذات أو النفس اللوامة وهكذا هو الحال في تبسيط استخدام رموز الموجب والسالب، مع التأكيد بأنَّ لكل موجبٍ سلبياته كما أن لكل سالبٍ إيجابياته، أو كما يقال "سلاح ذو حدين" و"عملة ذات وجهين"؛ حيث يعتمد مستوى الاستحسان والقبول والاستياء والاستنكار على الظروف والضرورات ويتمايل تحت الصفر هبوطًا أو فوقهُ صعودًا وما يعود علينا بالنفع موجبًا أو الضرر سالبًا، فأي الحدين نأمن ونحذر وأي الوجهين نقبل ونُنكر.
جاء اكتشاف الأشعة السينة والمعروفة بأشعة إكس نتيجة الأبحاث المضنية للعالم النوبلي الألماني "وليام رونتجن" بعد أن تحلى بفضيلةِ الصبر طويلًا غير يائسٍ ولا مستسلم لسلبية الفشل مع تدخل لمسة من الصدفة كمُكافئةٍ إيجابيةٍ على إصراره. وبقدر ما لهذه الإشعاعات الكهرومغناطيسية من نتائجٍ سلبيةٍ على الخلية الحيَّة والتي وضع لها سلسلة من الإجراءات الوقائية، إلا أن فوائدها العظيمة خدمت البشرية منذ اكتشافها قبل أكثر من 120 عامًا وإلى يومنا هذا.
وحدوثَ طارئٍ ما كخللٍ كهربائي خارج عن الإرادةِ، أو أضرارٍ نتيجة ظروف جوية قاهرةٍ أو غيرها من الأحداث والتي تؤثر على شريحة كبيرة أو صغيرة من المجتمع لهو بلا شك أمر سلبي مؤقت وقد يطول مع اعتبار كل الاحتياطات، ولن نكتشفَ نُقاط الضعف ومواطن الخلل التي نقوم بتعزيزها وتصحيحها لاحقًا لتجنبها ما لم تحدث، وبما أن هذه التجارب تعضد بعضها بعضًا في تراكم الخبرات فإن الفشل خلالها هو من العناصر الخفيةِ للنجاح ولعل حوادث الطيران والنقل البري خير شاهدٍ على ذلك.
وحتى لا نُغرِق كثيرًا في السلبية بالتنافس في تنميق عباراتٍ نعتقد أنها من النقد المشروع والوقوع دون أن نشعر في سوء فهم حرية التعبير، علينا عدم التسرع في تحليل الحدث المبني على عواطف مؤقتةٍ والتريث قليلًا حتى يتضح سبب الخلل من أهل الاختصاص وهو بلا ريب سيكونُ سببًا مقنعًا إن أردناه كذلك، وتحكيم العقلُ والمنطق؛ فلا يوجد جهةً مسؤولةً تعتمدُ على المجتمع كما يعتمد عليها تتعمد الضرر أو الإهمال لتتموضع في حرجٍ المساءلة ثم تتلوهُ ببيانٍ فتوضيحٍ واعتذار وكلنا نعلم أنَّ احتمالات الأخطاء واردةٌ في كل شيء.
علينا نبذُ نزعة التهكم والتفكير في كل الجهود الكبيرة التي بُذلت والصغيرة منها لإعادة الخدمة كما كانت عليه دون ازدراءٍ لجهدِ أبسط عامل، مع مكافأةٍ إيجابيةٍ بالشكر والتقدير، وإذا ما أردنا النقد لاحقًا فلا ضير في ذلك على أن يكون هادفًا بنَّاءً مشفوعًا بآراءٍ وأفكارٍ واقتراحاتٍ وحلولٍ إذا أمكن أو تركها لأهل الاختصاص.
ما أسهلَ النقدُ لمجردِ النقد مع تيار المشاركات، وما أسخف السخرية والاستهزاء عند حلول الأزمات.