سالم بن نجيم البادي
فرح النَّاس بخبر مُتداول عن استقالة مسؤول بارز حين حدثت المشكلة في المرفق المُهم الذي يعمل به، وقد تبيَّن للجميع عدم جاهزية هذا المرفق لمواجهة الظروف الطارئة، وكان الأمر يستدعي أن يستقيل أحدهم بعد الأضرار المادية والنفسية التي أصابت الناس نتيجة انقطاع الخدمة عنهم لساعات طويلة، لكن الاستقالة كانت شائعة، فلا أحد استقال أو أُقيل، من منصبه الرفيع عقابًا على الإهمال أو التقصير أو الأخطاء أو غياب خطط الطوارئ، فما سمعنا بهذا من قبل في بلدنا!!
وشائعة استقالة ذلك المسؤول أعادت الحديث عن ضرورة محاسبة وإقالة المسؤول الذي يحدث في مؤسسته خلل ما، أو فساد أو اختلاس، نتيجة الإهمال الواضح أو الفشل في الإدارة، أو عدم وضع خطط مسبقة لإدارة الأزمات، أو حتى إخفاقه في كسب رضا المستفيد من الخدمات، وإذا لم يبادر هذا المسؤول بالاستقالة فإنِّه يُقال فورًا، لكن نادرًا ما يحدث هذا عندنا، فهذه ثقافة لا نعرفها ولا أحد يشجِّع عليها، وهي غير مألوفة، خلافًا لما يحدث في دول أخرى، حين يستقيل المسؤول لأسباب ربما نراها هنا تافهة ولا تستحق الاستقالة!! وتكون الاستقالة مقرونة بالاعتذار للمواطنين وتُعلن على الملأ.
حتى الأحكام القضائية التي تصدر ضد من تثبت إدانته بالاختلاس أو الفساد تُنشر عبر وسائل الإعلام في أنحاء العالم، ويظهر هذا الفاسد على شاشات التلفزة مكبل اليدين، منقادًا إلى السجن.. يحدث هذا عندهم ولا يوجد من يقول لا نُريد التشهير بالفاسد مراعاة لمشاعر عائلته وأصدقائه!
ويقال والعهدة على من يقول إنَّ "هوامير" كُثُر أخذوا من ثروات البلد في الماضي بسبب عدم المحاسبة وعدم إقالة الفاسد ومحاكمته.
ويقال أيضًا إنَّ بعض الفاسدين لم يُحاسبوا، وإذا كانت قد تمت محاسبتهم فلم نسمع إلا عن نفر قليل منهم سُجنوا واستُرجعت بعض الأموال منهم، ومنعوا من تقلد الوظائف العامة. لكن كم عدد هؤلاء وما حجم الأموال المسترجعة منهم؟ ولماذا لا يتم الإعلان عن ذلك كما يحدث في دول أخرى؟!
ولنفترض أنه لا يوجد فساد بيننا، ولا نهب للأموال العامة، ولا يستولي أحد على أراضٍ في المواقع المميزة أو غير المميزة، بـ"الواسطة" وبطرق ملتوية أو عن طريق معارف أو أقارب أو أصدقاء، وغير ذلك من العلاقات المتداخلة والمصالح المتبادلة والمناصب المختلفة والألقاب؟! بينما ظل الفقير يُعاني وينتظر سنوات طويلة، وإن حالفه الحظ وحصل على الأرض، يتوجب عليه أن يدفع الرسوم لقطعة أرض صغيرة، وربما تكون في مجرى شعبة أو فوق ظهره أو عرقوب أو أرض غير مستوية تحتاج إلى مبلغ مالي كبير لتسويتها.. وإن كان كل ما ذُكر أعلاه غير صحيح، فإن على الجهات المختصة نفي وجود فساد وواسطة وتجاوزات ونهب للأموال العامة، وأن كل ما يُتداول عن الفساد لا يعدو كونه مبالغات وتخرّصات لا أساس لها من الصحة، عوضًا عن ترك النَّاس يخوضون في حديث الفساد ونهب خيرات الوطن على مدى السنوات الماضية، مطالبين بمحاكمة أهل الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة للتخفيف- ولو قليلًا- من وطأة الأعباء المالية التي تثقل كاهل المواطن أو حتى للمساهمة في سداد الدين العام.
ويظل السؤال مطروحًا: متى سنقرأ أو نسمع حتى عن إقالة أو استقالة مسؤول كبير بسبب فساد أو اختلاس أو تقصير أو إهمال أو حتى بسبب كثرة الروتين والتعقيدات الإدارية التي تواجه المراجعين والبطء في إنجاز المعاملات، وكثرة الانتقادات التي تنهال على مؤسسته؟!
ومتى سوف تسود معنا ثقافة المحاسبة عوضًا عن المجاملة والمحاباة وسياسة "مشي حالك" و"الأمور طيبة" و"عفا الله عما سلف" و"اللي فات مات"، وغيرها من العبارات السلبية التي تعمّق التبرير للمُهمل والفاسد والمتقاعس عن أداء عمله؟!
في الحقيقة.. إن الأمور ليست طيبة على الدوام، وتحتاج إلى مراجعة شاملة وصراحة ومكاشفة ومحاسبة حتى تكون طيبة بالمعنى الحقيقي للكلمة.