المواطن وسط الأزمات والتحديات

 

سالم البادي (أبو معن)

 

 

منذ الأزل والإنسان العماني كان عاملًا أساسيًا مُساهِمًا في بناء وطنه؛ فشق الأفلاج وشيد الحصون والقلاع وبنى السفن والقصور، وأقام الجسور والسدود والمنشآت الصناعية والبنى التحتية والخدمية وأنشأ الشوارع وبنى المدارس والكليات والجامعات وأنشأ المستشفيات والمصانع وغيرها الكثير.

ونستطيع أن نجمل القول إنه بنى وشيد وعمَّر وكان امتدادًا لأسلافه الذين سبقوه في العصور الماضية رغم الصعوبات والأزمات والتحديات المختلفة، هذا بما يخص بناء الدولة. أما فيما يخص بناء الإنسان؛ كونه يمثل أهم ركيزة وطنية وأساس التنمية، فقد كان من عوامل تقوية ارتباطه بوطنه، توفير العيش الرغيد له بإعطائه ومنحه حقوقه كاملة وغير منقوصة، من مسكن وملبس ومأكل ومشرب وتوفير الخدمات والضمانات الصحية والاجتماعية والتعليمية مجانا وتوفير الأجواء الآمنة والمستقرة والمطمئنة لهم.

وتوفر كل هذه الأمور والمتطلبات هو الذي يقوي ارتباط الفرد بوطنه ويشعره بالانتماء الحقيقي والصادق لأرضه ووطنه، وخلاف ذلك يبقى ارتباط أو صلة المواطن بوطنه شكليًا وظاهريًا ويتسم بالضعف وعلى قدر ما مكتوب بوثائقه الرسمية!

فلطالما عانى المواطن من ويلات الأزمات التي توالت عليه عبر العصور الماضية، فضلا عن الفترة السابقة التي عصفت بالعالم من أوبئة وأزمات اقتصادية والتي تعتبر من أكثر الفترات في العصر الحديث قسوة على البشر، وأشعرتهم باليأس والإحباط، بسبب ما آلت إليه حياتهم وعيشهم وكل مفردات حياتهم اليومية من سوء وتردٍ، وذلك بسبب توقف سبل العيش، فضلاً عن إجراءات الحجر، مما سبب زيادة في أعداد المسرحين، والباحثين عن عمل، وتراكمت الديون على المواطنين، بالتالي زادت القضايا وعجَّت المحاكم بالمطلوبين والمحكومين؛ فظروف العوز والجوع والحاجة والاضطهاد دفعت الكثيرين إلى البحث عن فرص عمل خارج الوطن العزيز! حتى لا يقعوا في فخ الجرائم بكل صورها وأشكالها.

لا أحد ينكر دور الحكومة الرشيدة والتي أولت أولوية قصوى لاحترام حقوق الإنسان، مستمدة ذلك من عقيدتها الإسلامية وتاريخها الثقافي ونظامها الأساسي الذي كفل الحريات المدنية للجميع، ونظامها التشريعي الذي يعزز مبادئ العدالة والمساواة والتسامح، واحترام الحقوق، تماشياً مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وحقوق الإنسان حقوق متأصلة في جميع البشر، مهما كان عرقهم أو جنسيتهم، أو نوع جنسهم، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر.

ومن ضمن هذه الحقوق: الحق في الحصول على عمل في ظروف عادلة، والحق في الحماية والعدالة الاجتماعية، ومستوى معيشة لائق، والحق في التعليم والتمتع بالحريات الثقافية والعلمية، والمساواة أمام القانون، وحرية الفكر والدين، وحرية الرأي والتعبير، وحماية حقوق الأقليات وغيرها الكثير... إلخ.

وبات من الضروري بمكان، أن يتم غرس ثقافة حقوق الإنسان وواجباته ومسؤولياته تجاه مجتمعه ووطنه ومؤسساته المختلفة، والعمل على حمايتها وفق القيم والمبادئ والقوانين المحلية والدولية المنظمة لذلك، ويدرك تماما مدى معرفته بحقوقه وواجباته ومسؤولياته.

ونمو وتقدم وازدهار الدول لا يتأتى إلا بتمكين مواطنيها؛ فالمواطن هو اللبنة الأساسيه للوطن، وهو اللاعب الرئيسي في بنائه ونموه وازدهاره وتقدمه، لذا في حالة غيابه أو تخلفه يصيب الدولة خلل وعدم استقرار، وبالتالي تصبح الدولة هرمة ومتخلفة عن دول العالم لأنها بدون إنجازات ولا طموحات. وبالمقابل الدول التي جعلت مواطنيها العامل الأساسي لبناء وطنها واتخذتهم سبيلًا إلى تحقيق أهدافها ورسم سياساتها وخططها التنموية هي الدول المتقدمة والمتحضرة والمزدهرة في شتى مجالاتها المختلفة.

لذا بات من الضروري أن تراهن حكومتنا الرشيدة على مواطنيها وأن يصبح للمواطن العماني الأولوية في إدارة جميع قطاعاته ومؤسساته وأن تضع الثقة التامة فيه من خلال قيادته لجميع شركات ومؤسسات القطاع الخاص خاصة، وإعطاؤه فرصة لإثبات الذات، وجدارته وكفاءته ومهاراته المختلفة، كونه الأجدر والأنسب والأولى لصناعة مستقبل بلاده، بدلًا من الوافد الذي لن يكون لديه ذاك القدر الكافي من الانتماء والولاء للبلد؛ بل إنَّ المواطن هو الثروة الحقيقية للوطن، والأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها الأوفياء المخلصين، فالثروة الحقيقية للأوطان هي تلك الثروة البشرية من أبناء وبنات الوطن ولا تكمن الثروة في المال والبترول فحسب؛ لأن تلك الثروة إذا لم تسخر لخدمة الشعوب فلن تكون لها فائدة البتة، فوجود الرجال المخلصين من أبناء الوطن هو ما يصنع الفارق في أي جانب من جوانب الحياة، فبالرجال تنهض الأمم، وتظهر الإنجازات والنجاحات على الواقع.

إن توفير الحياة الكريمة للمواطن لتأمين مستقبله لابُد أن يحظى بمزيد من الاهتمام من حكومتنا الرشيده بحيث تتجسد على أرض الواقع. ويجب أن يتصدر "المواطن" الاهتمام البالغ والأولوية القصوى في رؤية "عمان 2040"، وأن يحظى بكل ما يسهم في توفير سبل العيش الكريم، وزيادة رفاهيته، وتلمس حاجاته اليومية والمستقبلية وتلبية جميع متطلباته الحياتية.

ويأتي دور المؤسسات والجهات الحكومية الأخرى في ترسيخ التوازن المالي بين النمو الاقتصادي وبين توفير أفضل حياة للمواطنين.

وتنفيذا لرؤية جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- الرامية إلى تسريع مظلة العيش الآمن للمواطن وفق أسس شاملة وثابتة تتضمن ضمان الاستقرار الاجتماعي للأسر العمانية، ورفع جودة حياة المواطنين وتعزيز رفاهيتهم، وتوفير فرص تنموية للشباب العماني عليه نقترح بعض الإجراءات التي تساهم في الحد من تأثير الأزمة على المواطن:

  • صرف مبلغ شهري لا يقل عن 300 ريال للفئات التي تقل رواتبها عن 800 ريال والمسرحين والباحثين عن عمل وكبار السن والمتقاعدين.
  • دعم الأسر الوطنية المنتجة بمكأفاة شهرية للتصدي لغلاء المعيشة.
  • التركيز على القطاع الاجتماعي من خلال حث مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص للمشاركة والمساهمة في تطويره، كونه يعتبر أهم القطاعات خلال الفترة الحالية والمقبلة.
  • الإسراع بالعمل في تطوير الأحياء النموذجية أو البيوت الذكية الصديقة للبيئة وتوزيعها للمواطنين كمنح من الحكومة لتقليل الطلب المتزايد على الأراضي والمساكن.
  • الإسراع في إنجاز رسم خطط تنموية طموحة وشاملة لتطوير المناطق الريفية والبعيدة عن المدن للحد من هجرة سكانها إلى المدن الرئيسية.
  • لا بد أن تولي الحكومة ملف "المتقاعدين" اهتماما بالغا، ووضع أسس ومعايير ورسم سياساته التطويرية بهدف الاستفادة من خبراتهم وتوفير فرص اقتصادية لهم، مع توفير مشاريع وأفكار مبتكرة لتمكينهم فيها وتعزيز رفاهيتهم.
  • زيادة دعم أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ للتقليل من تداعيات الأزمات المتلاحقة، ومتابعة تطوير مشاريعهم بما يتناسب والظروف الاقتصادية.
  • فتح منصة خدمات حكومية متكاملة ومخصصة لجميع الخدمات المقدمة للمواطنين، تعنى بمساعدة المواطنين في تذليل الصعوبات وتسهيل وتبسيط وتسريع وحل جميع الإجراءات الاستثمارية والتجارية.

وتأتي هذه الاقتراحات المتواضعة إضافة إلى الرؤية التي دأبت دائما الحكومة الرشيدة على بلورتها وتنفيذها، من خلال حزم إجرائية وقرارات متلاحقة تواكب المرحلة الحالية والمقبلة وتطوراتها، والتي يطمح كل مواطن عماني أن تنعكس آثارها الإيجابية على حياته، فالمشروعات التنموية وغيرها من المشاريع الأخرى تتوالى، في جميع أنحاء البلاد بهدف الإسهام في توفير كل ما يحتاجه المواطن العماني.

لا بد أن تلامس الجهود الوطنية هموم المواطن واحتياجاته الضرورية؛ لأن المواطن يأتي أولا ثم أولا ثم أولا في اهتمامات القيادة الرشيدة، ويعكس بالمقام الأول النظرة الحانية والرؤية الثاقبة لجلالة السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- ويحرص أعزه الله على متابعة كل ما يتعلق براحة المواطن واستقراره.

إن النجاح والارتقاء بالوطن لا يتم إلا بقدرة أبنائه وكفاءتهم وثروة شبابه هي الثروة الحقيقية للوطن ومستقبله؛ فالمواطن ثم المواطن ثم المواطن.