مدرين المكتومية
ألقت التحديات الاقتصادية التي شهدها العالم وتأثرت بها عُمان، بظلال سلبية على مستويات المعيشة، وحديثي هنا لا يقتصر فقط علينا في السلطنة؛ بل في كل أنحاء العالم، فهناك دول تعاني بشدة جراء الأزمات الاقتصادية المتتالية التي عصفت بالأوضاع المالية وأضرت بمختلف الطبقات.
لكن ومن فضل الله علينا، أن قيض لنا نحن العمانيين، سلطانًا كريمًا، حنونًا بشعبه، متلمسًا لمشكلاته، عازمًا على الارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة. فخلال العامين الماضيين عانت عمان بشدة من جراء تبعات أزمة جائحة كورونا والتراجع الشديد في الإيرادات العامة بسبب انخفاض عائدات النفط، الذي ما زال يمثل العمود الفقري لجملة الإيرادات التي تذهب إلى خزينة الدولة، كما عانى اقتصادنا الوطني من الإشكاليات التي عصفت باقتصادات العديد من الدول، وقد تأثرنا بها باعتبارنا جزءًا من هذا العالم المتصل ببعضه البعض. وقد تأثرت مختلف الطبقات الاجتماعية بتلكم الأوضاع الاقتصادية، لكن فئات أسر الضمان الاجتماعي وذوي الدخل المحدود، كانت الأشد تأثرًا، بسبب ما صاحب هذه الظروف من ارتفاع في الأسعار وغلاء عام في المعيشة.
وفي ظل هذه التأثيرات الشديدة، تأتي التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لتوفير الدعم اللازم لهذه الأسر، وخاصة أبناؤهم المقبلين على عام دراسي جديد بعد أيام قليلة، لنتأكد جميعًا حرص قائدنا المفدى على رعاية أبناء شعبه الرعاية التي يستحقونها، فهم هدف التنمية وغايتها في كل وقت وحين.
الحقيقة أن هذه الرعاية السامية المقدمة لأبناء أسر الضمان الاجتماعي وذوي الدخل المحدود، ليست الأولى من نوعها بلا شك، ولن تكون الأخيرة، فالحزم التحفيزية التي جرى الإعلان عنها خلال السنتين الماضيتين والتي تضمنت تقديم مُهَل زمنية للمقترضين وحث البنوك على عدم مطالبة أصحاب الديون بالأقساط المفروضة عليهم دون فرض أية رسوم إضافية، وكذلك الدعم السامي المُقدم للعديد من القطاعات، والأوامر السامية الأخيرة بسداد ديون عدد كبير من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتعسرين... كل هذه دلالات كبرى على ما يوليه جلالته- نصره الله- من رعاية واهتمام بمختلف فئات شعبه الوفي.
وربطًا بهذه القضايا، نستطيع أن نؤكد أهمية التوقيت الزمني لانعقاد مؤتمر "التنويع الاقتصادي في دول الخليج" والذي انطلق في صلالة أمس، بتنظيم من جريدة الرؤية وبالتعاون مع البوابة الذكية للاستثمار والبرنامج الإقليمي لدول الخليج في مؤسسة "كونراد أديناور"، والذي ينقاش التحديات التي تقف أمام دول الخليج لتعزيز التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على عائدات النفط كمصدر رئيسي كبير للدخل، وابتكار سياسات اقتصادية مرنة ومُحفزة تسمح بنمو القطاعات الواعدة والتي يُعوَّل عليها لتحقيق التنوع في مصادر الدخل، ومن ثم تجنب التذبذات المتكررة في أسعار النفط، وتفادي الوقوع في براثن أزمات اقتصادية.
إن التوجه نحو تبني سياسات اقتصادية ومالية تعتمد على قاعدة متنوعة من الإيرادات، من شأنه أن يعزز قدرة الدول على التصدي للتحديات المالية والاقتصادية، وقد برهنت الأحداث أن صراعًا بين دولتين في أقصى الشرق الأوروبي، يمكن أن يشُل الاقتصاد العالمي بأكمله، وأن يتسبب في أزمة غذاء وصادرات عنيفة، وأن ارتفاع سعر السلع وزيادة تكلفة الشحن والتوريد وتعطل شبكات الإمداد والتموين، يمكن أن تفجر موجات تضخمية لن تستطيع أكبر البنوك المركزية في العالم احتواءها بسهولة، وسيستلزم الأمر شهورًا وربما سنوات لمعالجة الندوب العميقة في جسد الاقتصاد العالمي.. وهذا ما لا نأمله أبدًا!!