حمد بن سالم العلوي
طبعًا لم تكن مقالتي في الأسبوع الماضي الوحيدة التي يتفاعل معها القرّاء، ولكنها بحق قد تفاعل معها عدد كبير جدًا من المتابعين؛ لأنها لامست حاجتهم وشكواهم من غلاء سعر الأدوية والعلاج في المستشفيات المحلية الخاصة، والضرورات التي تدفع الناس بالسفر لطلب العلاج في الخارج.
كان التفاعل مع المقالة كبيرًا، وينُم عن ألم في النفوس. وقد شبّهتُ تلك ردات الفعل، كمن أنكأ جرحًا عميقًا غائرًا، وظلت التعليقات ترد إليَّ طوال اليوم، ولليوم التالي، ومع كلِ من التقيت به لاحقًا، فبعضها أتى عبر "الواتساب"، والبعض الآخر مكالمات عبر الهاتف، وكل شخص ممن تواصلوا معي له قصة مختلفة أو مشابهة لغيره، أكان ذلك عن الأدوية والعلاج وغلاءهما في المستشفيات الخاصة، أو عن المواعيد في المستشفيات الحكومية وحكاياتها التي لا تنتهي، وكيف يضطر الناس إلى السفر للخارج بحثًا عن العلاج والحلول السهلة والناجعة؟!
وبحمد لله أجد قبولًا في الطرح الذي أنتهجه في مقالاتي، وذلك باعتباري أحد أفراد هذا المجتمع الحيّ، وأمثل في طرحي شكواهم بتجرد وموضوعية كما أزعم، ولا تأخذني لومة لائم في قول ما أظن إنه حقيقة.
يقول أحد المتصلين: إن المستشفى الحكومي فرض عليه حقن الأنسولين كعلاج لمرض السكري الذي يتعالج منه لديهم، وعندما طلب أن يستمر مع العلاج الحالي "وهي الأدوية العادية" استاء منه المعالِج، وعنّفه وطرده بمِنة منه، ومنع عنه الكيل والوزن (عفوًا) منع عنه صرف الأدوية من المستشفى الحكومي، الذي كان يحصل منه على الأدوية بحسب المعتاد. وقال هذا الشخص، إن الذي حصل معه بالضبط هذا الذي ذكره بعاليه، وعندما سافر إلى خارج السلطنة للعلاج، وجد العلاج المناسب ودون إجبار على الأنسولين، ويقول؛ وأنا إلى الآن مستمر على العلاج بالأدوية العادية، والسكر انخفض إلى المستويات العادية، وما زلت مستمرًا عليه، وإن كان يكلفني جلب الأدوية من الخارج.
ويقول متكلم آخر عبر الهاتف: إنه حُوِّل من أحد المستشفيات الحكومية إلى قسم التصوير المقطعي الحكومي، ولكنه أعطى موعد بعد ثمانية أشهر، واضطر أن يذهب إلى مركز طبي خاص، ويعمل نفس التصوير المطلوب، وقد دفع المقسوم عن قيمة الرسوم، لأن الإنسان يشتري صحته إذا كان مقتدرًا، فصوّر التصوير المطلوب خلال فترة أربع وعشرين ساعة، وأخذ الصور المقطعية إلى الطبيب الحكومي الذي كان قد حوله إلى التصوير من قبل، ولكنه رفض المقابلة إلا بعد ثمانية أشهر حددها له صاحب قسم التصوير، فيقول؛ أخذت ملف الصور، وسافرت أنا وولدي إلى واحدة من بلدان العلاج، وتعالج هناك ورجع.. وهو بصحة وعافية الآن، وما يزال موعد المقابلة قائمًا حتى تاريخه المحدد في شهر ديسمبر القادم، ولكنه الآن لن يحتاج إلى علاج المستشفى الحكومي، وذلك بعدما تلقى العلاج في الخارج.
وقال متصل ثالث: كيف يجوز لطبيب (ذكر) أن يفحص مريضة (أنثى) عن مرض في القولون، هل حقيقة لا توجد طبيبة من فصيلتها؟! أم إننا لا نفرق بين الحلال والحرام في مسائل الطب، فالإنسان أحيانًا يضع المحذورات الشرعية حائلًا دون العلاج. ويقول: ليس كل الناس يقدرون على السفر، وتحمل تكاليف السفر والعلاج من أجل أن يختار الطبيب الذي يريد علاجه.
لقد شعرت أنني نقلت أوجاع الناس، وشكاواهم إلى المسؤولين في القطاع الطبي، وإن المواطنين يعانون مرارة سوء المعاملة، وسوء العلاج معًا في المستشفيات الحكومية، وذلك إلى جانب قسوة المستشفيات الخاصة، وغلاء العلاج، ويضاف إليه غلاء الأدوية، والبعض منهم يشكو من ضعف فاعلية بعض الأدوية.
وفي الجانب الآخر، فهمت بما لا يدعو مجالًا للشك، أن هناك مسؤولين مهما تقدم بهم العمر، وترقوا في الدرجات الوظيفية، إلاّ أن عقلياتهم لم تتقدم إلى الأمام، أو إنه قد انطبقت عليهم مقولة "أخذتهم العزة بالإثم"، ونقول: رحم الله الناس من سوء الاستشارة التي سيقدمونها فيهم، لمن بيدهم الحل والربط، فأحدهم أعرفه معرفة جيدة، وكنت قد ظننت أننا نتحزم بحبل من مسد عندما ننتخي به، ولكن فهمت من تعليقه "الفج" على المقالة، إن حزامنا من "خوص" وهذا المثل يضرب في الوهن الذي تظنه إن انتخيته سينتخي وينجدك، ولكنني وجدته ممن يُنِخ ركائبه دون المنتخي به ولا يهتم.
ثم ما قصة أن يقال إن هناك جهة ما تحتكر بيع الأدوية في البلاد؟! ولماذا تربط مصائر الناس بجشع "اللوبيات" التجارية؟! هذا إن صدق القائلون بهذا القول!! وإذا كان قلب البعض يشفق على هذه الجهات، فليمنحها ما يشاء من حر ماله، ويترك الخلق للخالق، وأن تعطي الدولة الناس حقوقهم في العلاج المجاني، ودون مِنة من أحد، لأن الشراكة في الوطن تكون في المغنم والمغرم، وفي اليسر والعسر، وليس في السكنى وحدها وجواز السفر، ودفع الرسوم والضرائب.
إذن.. الكلام الذي قيل يُنبئ بشيء من الخطأ، يُلازم طبابة الناس وعلاجهم، والتعليقات التي رددها الناس على مقالة الأسبوع الماضي، والتي كان عنوانها "الأدوية.. حشفٌ وسعرٌ قاصفٌ" قد أطلقت العنان للناس لكي يبيحوا بما يزعجهم من الإهمال في المستشفيات الحكومية، وبشأن تعثر سُبُل علاجهم، وكذلك سوء الحال في معاملتهم، الأمر الذي يدّق ناقوس التنبيه على أن هناك فجوة بين مستحق الخدمة ومقدمها.
وقد آن الأوان إلى تضييق هذا الفارق بين الطرفين، طالما كان معلومًا أن هناك أموالًا طائلة تنفق على علاج الناس، والحل لن يكون في "تخصيص" هذه القطاعات المهمة كما تشيع بعض المقولات، وإنما بإصلاح الخلل الإداري، وكم قيل عن نجاح إجراءات الشرطة في إدارة الموارد، فلماذا لا يستعان بالفرق التي كانت تطور الأداء في شرطة عُمان السلطانية، وأظن أن تلك الفرق الضليعة في التحديث والتطوير ومواكبة العصر، قد خرجت إلى التقاعد الآن، ولكن بإمكانها أن تقدم الكثير والكثير في حل المشاكل وتنحية البيروقراطية الإدارية من الطريق، ذلك متى ما استطعتم أن تكسروا حاجز الخوف من ضرر المتقاعدين على مستقبلكم، وتغضوا الطرف عن عقدة "الخواجة" الذي يعرف كل شيء.. هذا وبالله التوفيق.