صناعة التفاهات

 

 

‏راشد بن حميد الراشدي **

 

 

سبحان الله والحمد لله في زمن تغيَّرت فيه موازين النقاء وتغيرت فيه معادن الرجال وأصبح الجميع يجري لمن لا شيء معهم سوى البحث عن شهرة مصطنعة كل بأسلوبه ولو سقطت أنفسهم في مهاوي الردى.

إنه عصر صناعة التفاهات والشهرة التي انقلب الجميع يبحث عنها حتى من الوضيع في مجتمعه لتتوافد عليه كاميرات المُعجبين بشهرته وتتبارى المواقع لكسب وده بالمال طبعاً في زمن طار فيه عقل كل لبيب عاقل وأصبح من لا شأن له ذي شأن ومن يجب أن يكون ذو الشأن لا شأن له.

علماء أجلّاء ومخترعون ومبتكرون ومفكرون وكتاب وكرام على الحق سائرين، يخدمون البشرية بقلوبٍ مُخلصة لا تسمع لهم ذكرًا ولا شكرًا، إلَّا قليل، بينما هؤلاء المتطلعين إلى شهرة مزيفة تُضرب طبولهم في كل مكان، وتنساق إليهم المتردية والنطيحة، وما أكثرهم، في هذه الأيام بلا عقول واعية لذلك الخطر الجاثم على قلب الأمة.

فمن يبتغي المجد من وضيع، والشهرة من مُتغطرس تلقفته أدوات الشيطان وحبائله، فلن يصل إلى بعيد، ومن يبتغي العزة والمجد من الله فسيرفع الله مجده في الدنيا والآخرة.

ذابتْ عقول النَّاس، حتى الصالحين، في أتون حياة تموج بالفتن والملذات والشهوات، وظهرت بقوة في هذه الأيام "صناعة التفاهات"؛ التي لا تحتاج إلى شهادة علمية ولا إلى منزلةٍ أدبيةٍ أو خلقيةٍ، ولا إلى عائلة ونسب، إنما تحتاج إلى مُهرِّج يمتد هرجه إلى عنان السماء، وانحطاط يتبعه كل شيء فيه غواء، حتى كثُر المطبلون، إلّا من رحم ربي من كثرة البلهاء، فلا ديننا ولا أخلاقنا تأمرنا بما يفعله هؤلاء السفهاء.

صناعة التفاهات طالت كل شيء، والهدف الأسمى الترويج لكل شيء، والحقيقة أنها أصبحت تلك الشهرة وطلبها لأجل كسب المال بكسب أُلُوف المتابعين لصناع تلك التفاهات، وتدمير ثقافة الأجيال التي لا تتبع إلا الشهوة والمال وتستخف العقول!

فلا مادة مُفيدة تُقدم، ولا أوقات يستفيد منها المرء في دنياه، إنما تفاهات وأسلوب حياة نمطية مغلف، وكلهم يحملون أمراض القلوب ووهم الحياة السعيدة وقد أظلتهم أنفسهم الأمارة بالسوء.

اليوم أوجه رسالتي إلى كل أبٍ غيورٍ وأمٍ غيورةٍ: أبعدوا أبناءنا عن متابعة أمثال هؤلاء، الذين يدعون الشهرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وراقبوهم وعظُوهم بالحسنى، وازرعوا فيهم ركائز الخير، وأخلاق المؤمن، وصفاء النفس؛ ليمِيزُوا الخبيث من الطيب، ويمقتوا كل شيء، وإيَّاكم ومتابعتهم والانسياق إلى حبائلهم وحبائل الشيطان معهم، فقد بلغ السيل الزبى، وتهدمت قواعد الأسر والبيوت من فرط تفاهات هذا الزمان وأحداثه.

رسالتي الثانية إلى الجهات المسؤولة: أوقفوا أمثال هؤلاء التافهين بقوانين رادعة ومسؤولية في كل أمر يحدثونه، وليلتزموا بأخلاق وطنٍ عظيمَ الشأنِ، سماته وأخلاق أهله الكرام تطوف اليوم العالم وصفًا وعملًا وإنجازًا، بصفات الخير؛ فسلطنة عُمان بلد الخير والأخيار، وبشهادة الجميع، وستكون كذلك كما شهد لها سيد الأنبياء والمرسلين نبينا مُحمّد صلى الله عليه وسلم، فقد بَعَثَ الرسول الكريم رجلًا إلى حي من أحياء العرب، فسبُّوه وضربوه، فجاء الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال له نبينا الكريم: "لو أنَّ أهل عُمانَ أتيتَ، ما سبُّوك ولا ضربوك".

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها وسائر بلاد المُسلمين، من شرور التافهين وحبائلهم الشيطانية الماجنة، وهدى الله أبناء الأمة إلى خيريْ الدنيا والآخرة.

** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية