تايوان.. ومبدأ الصين الواحدة

 

تشو شيوان **

 

أثارت مسألة تايوان تفاعلًا كبيرًا من قبل وسائل الإعلام العالمية خلال الأسابيع الماضية، وفي نفس الوقت كان الكثيرون من مختلف شعوب العالم يتابعون التطورات الحاصلة في هذا الملف، خصوصًا بعد الزيارة المستفزة التي قامت بها نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان خلال الفترة الماضية.

وعلى جانب آخر، هناك في بكين، كان الالتزام واضحًا وصريحًا ومعلنًا بأن الصين واحدة وتايوان هي جزء لا يتجزأ من الصين باعتراف دولي. ولأن الحكومة الصينية لا تقبل المساس أو التلاعب بمسألة تايوان، أصدرت كتابًا أبيض بعنوان "مسألة تايوان وإعادة توحيد الصين في العصر الجديد" والذي نشره مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة والمكتب الإعلامي لمجلس الدولة في جمهورية الصين الشعبية، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة كل ما يتعلق بمسألة تايوان.

الكتاب جاء ليؤكد حرص الصين على بذل الغالي والنفيس من أجل التوحيد الوطني، وهذا حق مشروع في ظل أن تايوان أساسًا وعُرفًا وقانونًا هي جزء من الصين، وقد جاء الكتاب ليضع العالم أمام هدف الصين في هذا الجانب، موضحًا أن الصين ستسلك كل السبل المتاحة لتحقيق هدفها في التوحيد في هذا العصر الحديث بما يتناسب مع لغة وسياسة وطبيعة العصر الذي نعيش فيه حاليًا، خصوصًا وأننا قد شاهدنا الكثير من دول العالم وهي تصدر بيانًا رسميًا لتؤكد من خلاله مبدأ الصين الواحدة، وهذا يُبيِّن لنا أن مسألتنا أساسها قانوني سليم ومعترف به من أغلبية دول العالم.

الكتاب الأبيض فيما يتعلق بمسألة تايوان، أراد أن يؤكد أن الصين موقفها الدولي والقانوني سليم وصحيح؛ حيث إن القرار رقم 2758 والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يمثل وثيقة سياسية تلخِّص مبدأ الصين الواحدة، وتعطي الحكومة المركزية الشرعية في ممارسة سلطتها القانونية والتشريعية في حكم تايوان وتنظيم علاقاتها الدولية، وأن أي انتهاك لهذا الأمر هو انتهاك لسيادة الصين ووحدة أراضيها وسلامة شعبها، خصوصًا وأن الاستفزازات المتكررة في هذا الملف قد تؤدي لنتائج لا يحمد عقباها.

لقد سألني الكثيرون عن كيفية الرد الصيني على زيارة نانسي بيلوسي لتايوان وعلى غيرها من الاستفزازت المتعلقة، وقد كنت دائمًا أوضِّح أن الصين لديها قوة كبيرة في ضبط النفس، وأنها لا تنوي الدخول في صراعات تؤدي لتقويض السلم العالمي، وهذا ما حدث فعلًا، لكن في المقابل الصين مستعدة كامل الاستعداد لأن تتخذ أي إجراء لحماية مصالحها وسيادتها على أراضيها، وأعتقد أن هذا حق مشروع للصين ولديها القوة الدبلوماسية للتأكيد عن سلامة موقفها وتبرير ردود أفعالها بناء على التطورات الحاصلة في هذا الملف مستقبلًا.

العالم وجّه أنظاره لمسألة تايوان بشكل لافت طيلة الفترة الماضية، ولن تغيب الأنظار عن تايوان لشهور مقبلة، وهذا أمر طبيعي؛ فالإعلام العالمي يبحث عن إثارة المشاكل وخلقها إن استطاع لخدمة مصالح معينة. لكن في الصين الأمر مغاير تمامًا؛ فالصين لا تبحث عن إثارة المشاكل بقدر ما تحاول إيجاد حلولٍ واقعيةٍ لأي مشكلة تواجهها، ولهذا وجدناها تتعامل مع هذا الملف بمبدأ شد الحبل؛ أي إنها لا تتركه مرتخيًا فتلفت الأمور، ولا تشده كثيرًا فينقطع، وهذه سياسة صينية أصيلة تتعامل فيها مع مثل هذه القضايا الحساسة.

القوى الدولية- مهما كان حجمها وقوة تأثيرها- لن تستطيع تغيير واقع الحال في تايوان، فلا قوةً تستطيع الوقوف أمام إرادة شعبٍ يريد توحيد بلاده، ويتفاخر ليلًا ونهارًا بأن قوتنا في وحدتنا وهذا حقنا. ومن وجهة نظري، فإن مثل هذه العقيدة أو الفكر لا يمكن تغييره من قِبَل أي قوى خارجية، ولهذا يجب أن يفهم الجميع أن الصين لديها رؤية لهذه المسألة، وأنها تعترف بأن البر الرئيسي وتايوان يتباينان من حيث النظام الاجتماعي والأيديولوجية، ولهذا يعد مبدأ "دولة واحدة ونظامان" هو الحل المناسب لهذه المشكلة.

إن إعادة التوحيد السلمي ومبدأ "دولة واحدة ونظامان" هما المبدآن الأساسيان لحل مسألة تايوان، وأفضل نهج لتحقيق إعادة التوحيد الوطني، وهُما تجسيد للحكمة الصينية القائلة: "نزدهر من خلال احتضان بعضنا البعض"، ويأخذان في الاعتبار بشكل كامل واقع تايوان ويساعدان على الاستقرار طويل الأجل في تايوان بعد إعادة التوحيد. وهذا ما جاء في للكتاب الأبيض، وأردت إنهاء مقالي بهذه الفقرة التي تبين العمق التاريخي لتايوان كجزء من الصين، وتبيِّن أيضًا الفهم العميق لتعقيد الموقف الدولي الحالي، وتأكيد أن الصين ملتزمة بالحلول السلمية حتى النهاية.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية.