محمد بن حمد البادي
Mohd.albadi1@moe.om
تضع معظم دول العالم رؤى وإستراتيجيات وطنية تشمل كل مجالات التمكين والتطوير، لتكون حلمًا تسعى جاهدةً بكل ما تملكه من إمكانيات وقدرات وطاقات لتحقيقه، وليكون واقعًا ملموسًا. وهذه الرؤى والإستراتيجيات لا تتحقق بالتخطيط الجيد فقط، ولن تتحقق بالبحث عن شماعات لتعليق الأخطاء عليها، إنما تتحقق بجهود المخلصين من أبناء الوطن، وبعزائم الطامحين لمستقبل مشرق.
واليوم.. فإنَّ قطاع السياحة في السلطنة يحظى بفرص واعدة للنمو، مستندًا في ذلك إلى ركائز مهمة يأتي في مقدمتها التطور الهائل في البنية التحتية والخدمات المتكاملة في شتى المجالات التي شهدتها قرى وولايات ومحافظات السلطنة دون استثناء، والذي بدأ ينمو يومًا بعد يوم مع بداية بواكير فجر النهضة المباركة عام 1970م؛ التي أرسى قواعدها المغفور له- بإذن الله تعالى- السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- ولا يزال قطار التطوير منطلقًا بسرعته المعهودة على السكة الصحيحة، برعاية سامية كريمة من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ويزيد ذلك تعزيزًا جغرافية السلطنة، وموقعها الإستراتيجي والتنوع البيئي الذي تحتويه.
ولعلَّ وزارة السياحة تكاد تكون الجهة الوحيدة التي لا يناسبها العمل بصمت، بل حريٌّ بها أن تعمل بضجيج عالٍ، يُسمع من أقاصي المعمورة، يعمل على الجذب السياحي، ويعرّف الشركات السياحية الكبرى بما تملكه السلطنة من مقومات مميزة؛ وأنها أرض خصبة؛ وبيئة جاذبة للاستثمار السياحي.
معالي وزير السياحة الموقّر...، لعلك تدرك تمامًا كما يدرك الجميع أنَّ العالم يتغير بوتيرة متسارعة جدا، وأغلب الدول تشهد ثورات علمية ومعرفية؛ في سباق محموم نحو الريادة، من خلال تشجيع مواطنيها ومؤسساتها على الابتكارات وإنشاء المدن الذكية والاهتمام بكل ما من شأنه تحقيق مستقبل مشرق، ثم تورّثها تاليًا للأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل، فما الذي يمنع قطاع السياحة من خوض غمار هذا السباق؛ وأن يكون له طموح عالمي يتناسب مع رؤية السلطنة للوصول إلى مصاف الدول العالمية الرائدة في هذا القطاع، ولتحقيق الأهداف المرسومة لرؤية "عمان 2040"؟
معاليك...، ما الذي تراه يقف حجر عثرة في طريق وزارة السياحة؛ يمنع من تحقيق طموحات الشعب العماني في مواكبة ركب التطوير الذي انتهجته باقي الوزارات في السلطنة؛ مثل وزارة النقل والاتصالات، التي قطعت على نفسها وعدًا بأن تكون السلطنة ضمن أفضل عشر دول في العالم في القطاع اللوجستي؟ وها نحن اليوم نرى بأن الطرق في السلطنة ضمن أفضل ثمان دول في العالم.
ما الذي يمنع وزارة السياحة من أن تحذو حذو شرطة عمان السلطانية التي تقدم خامس أفضل خدمات على مستوى العالم؟
وهذا ينطبق على الكثير من القطاعات التي لا مجال لذكرها في هذا المقال، التي لم يثنِ من عزمها الاهتمام الحكومي بالأولويات مثل الصحة والتعليم وتشييد البنية التحتية، ولم يثن من عزمها العجز في الوفورات المالية، ولم يثن من عزمها جائحة كورونا، ولم تكن هذه الأمور في يوم من الأيام في حسبانهم ليضعوها شماعة يعلقون عليها أسباب تأخرهم.
معاليك...، إننا نتطلع منكم إلى وضع إستراتيجية وطنية للارتقاء بالقطاع السياحي؛ تتضمن في طياتها خططًا مرنة، وأهدافا واضحة قابلة للتحقيق؛ ولعل من أبرزها المشاركة الفعالة في العمل على ترسيخ ثقافة عمان وتراثها وتقاليدها الأصيلة والتسويق لها عالميا، والحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان استدامتها، وترميم وتطوير الأسواق التقليدية والمواقع الأثرية والقلاع والحصون والأبراج؛ وجذب المزيد من السياح ذوي الإنفاق العالي، وتطوير رأس المال البشري في القطاع السياحي وتحسين تنافسية عمان السياحية، وجذب محبي المغامرات والاستكشاف للاستمتاع بجغرافية السلطنة بما تحويه من جبال ووديان وجروف وكهوف وأخاديد وتكوينات صخرية وشواطئ وجزر وخلجان ومحميات طبيعية وحياة برية وبحرية متنوعة.
معاليك...، كلنا ثقة في جهودكم المخلصة نحو تطوير هذا القطاع الحيوي المهم، وأن تكونوا أهلاً للثقة السامية التي أولاكم إياها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يوم أن كلفكم بحمل الحقيبة الوزارية لوزارة السياحة.
معالي الوزير الموقر...، كلنا أمل في إيجاد حل سريع للمشاريع السياحية المتعثرة والتي يبلغ عددها زهاء 45 مشروعًا سياحيًا كما أسلفتم في تصريحٍ سابقٍ، نريد أن تكلل مساعيكم في تأسيس صندوق للتنمية السياحية بالنجاح والتوفيق في أسرع وقت ممكن، نتطلع لرؤية ثمرة تنفيذ الخطط السياحية من خلال تسجيل معدلات نمو سريعة ومضاعفة، تسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بدرجة كبيرة؛ وبالتالي المساعدة على التقليل من اعتمادنا على النفط كمصدر دخل أساسي بدرجة مفرطة للغاية، كما تساعد في إيجاد حل لملف الباحثين عن عمل من خلال رفع معدلات التوظيف المباشر والغير مباشر للعمانيين في القطاع السياحي.
معالي الوزير الموقر...، لا تعمل بصمت، بل اعمل بضجيج يصمُّ الآذان، يخبر العالم أجمع بأن بلدنا عمان غدت اليوم قبلة للسياحة المحلية والعالمية، وليقضِ المواطنون أوقاتًا ممتعة في أيام العطلات، نظير رؤية قوافل السيارات التي تحمل الأسر والعائلات؛ تعبر بهم المنافذ الحدودية إلى الدول المجاورة بحثًا عن متنفس لهم.
معاليك...، ألا تستحق عمان أن تكون في المقدمة في قطاع السياحة؟
بلى تستحق وتستحق.. ولكن هذا الأمر لن يتحقق بالعمل بصمت، ولن يتحقق بالتنظير، ولن يتحقق بالبحث عن شماعات لنعلق عليها إخفاقاتنا المتوالية، بل سيتحقق بالجد والاجتهاد، وبالرغبة في التحسين والتطوير.
سيتحقق بالعمل بصوت مسموع، يسمعه القاصي والداني.