جابر حسين العماني
أغلبنا قرأ وسمع عن عجائب الدنيا وغرائبها؛ فهناك الكثير من العجائب والغرائب التي أذهلت العقول والأبصار، وجعلتْ الإنسان يقف حائرا عاجزا عن تفسيرها، ومع كلِّ هذه العجائب التي عجز الإنسان عن تفسيرها وشرح تفاصيلها، إلا أنَّ هناك أعجوبة أعظم وأكبر من تلك العجائب والغرائب كلها، ذكرتها أمَّات الكتب التأريخية والإسلامية، وعرف الإنسان سببها، فما هي تلك الأعجوبة الغريبة والعجيبة؟!
هي بكل اختصار: بكاء السماء دمًا!!
فهل السماء بكتْ فعلا؟ ولماذا بكت؟ وعلى من كان بكاؤها؟
ربما لم يسمع الكثير منِّا ببكاء السماء، وتأثر الكون بأكمله، فمتى حصل ذلك وكيف؟ والجواب يحتاج منِّا إلى عرض الكثير من الأدلة العلمية من المصادر التاريخية، وسأحاول هنا جاهدا الاختصار بذكر ما قلَّ ودلَّ لننال الفائدة والمعرفة.
لقد بكتْ السماء دماً وتأثر الكون كله حزنا وحدادا لمقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وريحانته من الدنيا الإمام الحسين الذي قال في حقه النبي الأكرم: "حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ" (رواه الترمذي:3775)، و(ابن ماجه:144)، و(أحمد:17111)، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، وقد حسن الحديث الترمذي والألباني، وكان ذلك البكاء السماوي في يوم العاشر من المحرم من سنة 61 للهجرة عندما قتل الإمام الحسين وقطع إربا إربا بسيوف شياطين الإنس الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، وأفجعوا بقتل الحسين الإسلام وأهله؛ مما جعل السماء تنعاه وتبكيه دمًا، بل وتأثر الكون كله لمقتله ومقتل من معه من أهل بيته وصحبه رضوان الله عليهم أجمعين، الذين كانوا يدافعون عن الإسلام ومقدساته وحقوق الإنسان ومقدراته.
ويروي لنا الذهبي في كتابه الشهير والمعروف بـ"سير أعلام النبلاء: ج3، ص2013)، عن ابن سيرين أنه قال: "لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إلَّا عَلَى الحُسَيْنِ".
وفي نفس الكتاب أيضًا، يروي لنا الذهبي عن المدائني، عن علي بن مدرك عن جده الأسود بن قيس قال: "احمرَّت آفَاقُ السَّمَاءِ بَعْدَ قَتْلِ الحُسَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ تُرَى كَالدَّمِ".
وجاء في المعجم الكبير للطبراني (ج3، ص114) عن ابن سيرين، أنه قال: "لم يكن في السماء حُمُرة حَتَّى قُتل الحُسين".
والنصوص في ذلك كثيرة امتلأت منها الكتب التاريخية والإسلامية، وأكدت على بكاء السماء لمقتل الإمام الحسين، ويمكنك أيها القارئ الكريم تقصِّيها والبحث والتحري عنها في أمَّات المصادر التاريخية.
ولتأكيد النصوص المعتبرة والمصادر المعتمدة على أنَّ السماء بكت حزنا وحدادا لمقتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تكون هناك منها دلالة واضحة المعالم على عظم شخصية الإمام الحسين، فلم تبكه السماء عبثاً وإنما لأنه كان من الذين أحبهم الله ورسوله، وذلك بما قدمه من حماية ودفاع عن الدين والمقدسات والأعراض؛ فبذل نفسه في سبيل الله تعالى ومات ورحل عن هذه الدنيا شهيدا مخلدا بين الأمم.
لذا؛ علينا اليوم أن ندرس شخصية الإمام الحسين جيدا، ونعرفها لأبنائنا وبناتنا، فهو الإنسان الثائر العظيم الذي ضحَّى بما لديه من أجل الدفاع عن الدين والمقدسات ووقف في وجوه الطغاة لا يخاف في الله لومة لائم، في الوقت الذي عرضت له الدنيا بزخارفها وجمالها من ذهب وفضة وحلي، لكنه لم يكن طالبا للمال والسلطة، أو باحثا عن أمجاد ومناصب وجاه وكراسٍ دنيوية، بل كان هدفه الوحيد هو إصلاح أمة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو القائل مقولته الشهيرة والمعروفة والتي ينبغي أن تُكتب بماء الذهب وتنصب في كل بيت وشارع ومدرسة وجامعة، وهي قوله: "إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ بَطِراً وَلاَ أَشِراً، وَلاَ مُفْسِداً وَلاَ ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ أَطْلُبُ اَلصَّلاَحَ فِي أُمَّةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ، أُرِيدُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ، أَسِيرُ بِسِيرَةِ جَدِّي وَسِيرَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ اَلْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَهُوَ أَحْكَمُ اَلْحَاكِمِينَ".
فلا غرابة ممن يجعل من نفسه فداءً للدين والمقدسات والأعراض، ويكون همه إعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل، أن تبكيه السماء دماً عند موته، وتحزن لمقتله الدنيا بأسرها، بل ويبكيه المنصفون الأحرار من أهل العالم.
وأخيراً.. أختم مقالي بما كتبته في ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الحسين، الذي بكته السماء وتأثر الوجود لمقتله قائلاً: "ما أحلى الحديث بذكركم، كل السعادة من سمائك تشرق، وكفى القيامة أن حبك مدخلي جنات عدن نهرها تتدفق أنعم بذكرك باقيا طول المدى للسائرين ونهجك المتألق".