سامح بن سالم الشكيلي
لا شيء يستنزف طاقة الإنسان ويُضعف قواه ويحطُّ من عزيمته أكثر من حربه مع ذاته؛ فالإنسان الذي يُوهم نفسه بوجود خلل في تفكيره أو قصور في جهده أو نقص في ممتلكاته، هو بذلك يشن حرباً داخلية ساخنة مع ذاته التي كرَّمها الله وحفظها وبين لها طريق القناعة والرضا من خلال منهج رباني صريح وبليغ نجده في أكثر من موضع في القرآن الكريم.
"تقزيم الذات" هو مرضٌ عضال تُصاب به النفوس الضعيفة التي ما فَتئت تبحث عن عوامل الإحباط والانغلاق على أفكار بائسة، حتى كساها اليأس وشربت من كؤوس الخيبة، لتصاب بالكسل والإحساس بدنو الأجل، والأدهى والأمر إن كانت تلك النفوس ميَّزها الله تعالى عن بعض من خلقه بعقل وجسم سليميْن، وما يزيد الأمر غرابة إن كانت تملك من المال ما تملك، تتصرف فيه حيث تشاء وتنفقه لمن تشاء، ويقول توين بوزان أحد أساتذة البرمجة اللغوية العصبية: "أنت في واقع ما تتخيل نفسك به".
أنت من يصنع العالم الذي تُريد أن تكون به، وقصة الحجاج بن يوسف الثقفي دليل على ذلك؛ حيث يُحكى أن والياً أمر بعزل قائد الجيش الضخم لتعيين بديلا له، ثم طلب من الجنود من يرى نفسه مؤهلاً لحمل شارة القيادة بأن يتقدم ويرشح نفسه، فلم يتقدم أحد، فكرَّر الطلب مرة أخرى، فإذا بصوت الحجاج قادماً من بعيد "أنا أريد أن أكون قائد الجيش"، والحجاج ذو هيئة صغيرة قصيرة قزمة ووجه بشع، فلم يُعِره الوالي أيَّ اهتمام، وكرَّر طلبه مرارا وتكرارا وهو يسمع نفس الصوت، فردَّ الوالي عليه "أنت لا تملك الجسامة ولا الوسامة لتكون قائدا للجيش"، فردَّ الحجاج "أما الجسامة فهي للبغال والوسامة للنساء، وأما الرجل بأصغريه لسانه وقلبه"؛ فالحجاج لم ير نفسه إلا قائدا فذا، ونستنتج من ذلك أن كل شخص لديه مكامن قوة يجب استثمارها وعدم التفريط فيها وإهمالها، فتغذية النفس بمعززات إيجابية وبكلمات مشجعة في غاية الأهمية من أجل الخروج من دائرة الخذلان واليأس.
ولا شك أنَّ من يقزم ذاته فهو بطبيعة الحال لا يحترم تلك الذات دون أن يشعر بذلك، ثم إن الإنسان الجامد الذي نأى بنفسه عن رفع ذاته قد يلجأ إلى الإضرار بغيره نتيجة الغِيْرَة التي يُكنها في قلبه تجاههم، حيث كانوا يصعدون على نفس السلم قبل سقوطه وقبل تقدمهم وعلوهم، متناسياً أن الله تعالى خلق الناس على مستويات مختلفة من التفكير والتخطيط والقدرات، ومتجاهلا ماضيه الأليم حينما وضع نفسه في موقف صعب رغم أنَّه كان يستطيع تجاوز قرنائه وزملائه بما يمتلك من ممكنات وأدوات ومهارات.
أمَّا تعظيم الذات بشكل غير مفرط، فهو أحد عوامل النجاح والتقدم، وهو نوع من أنواع التحفيز لمواصلة العمل والجهد مهما كانت العواقب أو اشتدت الأزمات، فنحن في الوقت الراهن بحاجة ماسة لغرس هذا النهج في نفوس خريجي دبلوم التعليم العام ممن لم يوفقوا في الحصول على نسبة عالية ترضيهم وترضي أهاليهم، لنعلم جميعاً أن من حكمة الله عز وجل أنه لم يخلق الناس على مستوى واحد ولا تفكير واحد، ولو كانوا متشابهين في الصفات والقدرات والمهارات لما احتاج كل منهم الآخر؛ لذلك جعل الله سبحانه وتعالى ميزانا على هذه الأرض أن ميز الإنسان عن غيره في القدرات والمهارات، ليتحقق في الناس مبدأ التعاون وأن يكون الإنسان عونا لأخيه مهما تباينت أشكالهم أو ألوانهم أو جنسياتهم.
"التخطيط الاستباقي" هو أن تبني أهدافك وخططك للحاضر والمستقبل، وهو أيضا قراءة الواقع والمستقبل ومحاولة وضع أهداف تتناسب مع كل حقبة زمنية، وللأسف بعض الناس لا يعي فوائده وثماره، فهم يتجاهلونه ثم يكونون عُرضةً للوقوع في مغبة المهالك وقفار الحسرة والنَّدم؛ فمن يسير في هذه الحياة دون أن يضع أهدافه ويرسم حلمه فهو ضائع بين أوهام الخيال، إذ لا مجال للتقدم إلا برسم أهداف واضحة ولا تتحقق الأهداف في غياب التخطيط؛ فالعشوائية هي أحد عوامل الفشل، وهذا ينطبق على الدول والمؤسسات؛ إذ لا بد من وجود نظام فعَّال لتحقيق الأهداف والإنجازات من خلال الخطط السنوية المعدة من قبل المتخصصين كل في مجاله.
علينا احترام ذواتنا وتقديرها، وأنْ نعظمها خير تعظيم من خلال الإيمان المطلق بأنَّ كل بني البشر يمتلكون قدرات يتميزون بها عن غيرهم، والعاقل من يقوم بترويض ذاته نحو طرق النجاح ويسعى لاكتشاف مواهبه وإمكانياته، ولا يتجاهل طريق العلم فهو أحد أبرز المفاتيح الرئيسية لأي نجاح، ووسيلة للتقدم والفلاح.