أرقام الاقتصاد الصيني في النصف الأول من 2022 إلى أين يتجه؟

تشو شيوان *

أصدرت الصين خلال الأيام الماضية أرقام وبيانات الاقتصاد الصيني للنصف الأول من عام 2022، وقد أظهرت النتائج أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة 2.5% على أساس سنوي بينما زادت واردات وصادرات الصين بنسبة 9.4٪ على أساس سنوي خلال النصف الأول من عام 2022 لتصل إلى 19.8 تريليون يوان (2.94 تريليون دولار)، وفقًا لأحدث بيانات الجمارك الصادرة، وقد وبلغت الصادرات 11.14 تريليون يوان، بزيادة 13.2 بالمئة على أساس سنوي، في حين بلغت قيمة الواردات 8.66 تريليون يوان بزيادة قدرها 4.8 بالمئة عن العام الماضي، وارتفعت التجارة الخارجية للبلاد بنسبة 14.3 بالمائة على أساس سنوي.

ومن خلال ما تمَّ تداوله عبر وسائل الإعلام العالمية حول هذه البيانات، نجد أنها قللت من نسبة هذا الإنجاز، فصحيح أن هذه البيانات أظهرت تراجعاً طفيفاً في نسبة النمو إلا أنه وبالمقارنة مع الأوضاع العالمية، وتأثير الصراعات الجيوسياسية العالمية، والارتفاع الكبير في أسواق الطاقة، وما يعانيه العالم من زيادة في الأسعار والوقوف على بعد خطوات من ركود عالمي تعتبر بيانات الاقتصاد الصيني إيجابية، خصوصاً لو تم مقارنتها بالبيانات الصادرة عن أقوى اقتصاد في العالم؛ الاقتصاد الأمريكي والذي سجل نسبة التضخم أرقاماً قياسية لم تُسجل منذ أكثر 40 عاماً، حيث بلغت نسبة الضخم 9.1% حسب ما أعلنت عنه وزارة العمل الأمريكية.

وحتى نكون واقعين أكثر فهناك عدة عوامل مهمة أدت لهذه النتائج خصوصاً تلك المتعلقة بتفشي الوباء والإغلاقات التي حدثت في عدة مدن صينية قبل أشهر من الآن، والتي عطلت بشكل مباشر بعض الأعمال وبعض القطاعات مما أثر بشكل طفيف على الاقتصاد الكلي للبلاد، ومع ذلك حافظ الاقتصاد الصيني على نموه المعتاد متخطياً كل هذه الصعوبات خصوصاً وأن الصين وضعت منذ بداية جائحة كورونا هدفها والمتمثل بصفر حالات كورونا بشكل ديناميكي للمحافظة على سلامة حياة الشعب، وتضعها بالمقام الأول من الحكومة الصينية.

ومن جانب آخر، تعمل الحكومة الصينية على المحافظة على استقرار النمو الاقتصادي وسوف تتخذ مجموعة من الإجراءات لتحسين مستويات التنمية والعودة للمسار الصحيح، وفي هذا الشأن، قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ يوم الثلاثاء الماضي: "إن الاقتصاد الصيني بوجه عام صمد أمام الضغط النزولي واستقر وانتعش، لكن ما تزال هناك حاجة إلى بذل جهود مضنية لتحقيق الاستقرار في الأداء الاقتصادي العام لأن التعافي لم يترسخ بقوة بعد"، وهذا يثبت أن الحكومة الصينية تعمل على معالجة الوضع الاقتصادي بشكل إيجابي.

أصبح الاقتصاد الصيني المحرك الرئيسي للانتعاش الاقتصاد العالمي، خصوصاً وأنه خلال السنوات الماضية كان الاقتصاد الصيني الاقتصاد الوحيد من بين الاقتصادات الرئيسية العالمية من يحقق نمو إيجابياً، وقد عول الكثير من الخبراء الاقتصاديين على نمو الاقتصاد الصيني في وضع تصوراتهم لوضع الاقتصاد العالمي، ولكن يجب أن لا ننسى أننا مازلنا نواجه جائحة كورونا والتي لم تنتهِ بشكل كامل، وأيضاً يواجه العالم تحديات جمه في الملف الاقتصادي، والكثير من دول العالم تعاني وتصارع من أجل مواجهة التضخم العالمي.

الاقتصاد الصيني اقتصاد مرن ومنفتح وقادر على مواجهة الصعوبات خصوصاً وأن النظام الاقتصادي الصيني لديه مواصفات تجعله قادراً على مواجهة الظروف العالمية، والنموذج الصيني في التعاطي الحكومي للسيطرة على البيانات الاقتصادية نموذج قوي حيث تقوم الدولة من خلال الأجهزة الحكومية المختلفة بخلق تدابير مناسبة لمعالجة أي خلل، وهذه نقطة قوة تجعلنا نتوقع نتائج أكثر إيجابية خلال النصف الثاني من عام 2022.

 

بوجهة نظري أن الصعوبات ستكون كبيرة خلال الشهور القادمة خصوصاً في ظل استمرار الأزمات الجيوسياسية العالمية، ولكن توجه الصين نحو تطبيق نظام الاقتصاد الدائري المعتمد على تنمية الاقتصاد الداخلي والاعتماد على الاقتصاد المعرفي، وأيضاً التطورات الهائلة في اقتصاد الخدمات الصيني سيعود بنتائج مبشرة وإيجابية في السنوات القادمة، وسنجد بأن الصين ستعمل بشكل مكثف على استغلال إمكانياتها الانتاجية والتصنيعية الهائلة لتحسين بيانات الاقتصاد والمحافظة على النمو المعتاد، وأيضاً هناك مقومات تنافسية كبيرة تجعل الصين لاعباً دولياً مهماً ومؤثراً، وعلى العالم أن يثق بقدرة الصين على تحقيق التنمية المستدامة.

 

* صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية