حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تعدُّ جريمة الاغتيال التي ارتُكبت بحق شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني السابق، بإطلاق النار عليه خلال تجمُّع انتخابي يوم الجمعة الماضي، من الحوادث النادرة التي تقع في اليابان؛ لأن هذه الدولة معروفة بأنها بلد السلام والأمان، وأن الشعب الياباني عامة ينزعجون عند الحديث معهم عن الجرائم التي تقع في العالم، ويتعاطفون مع الشعوب التي تواجه المصاعب والتحديات والقتل والفتك من قبل الآخرين.
فعند الحديث عن اليابان والجريمة في هذه الدولة الصناعية المتقدمة؛ فالكل يعترف بأنها من الدول القلائل في العالم التي يسودها الأمن والأمان على مدى الأربع والعشرين ساعة؛ بحيث قلَّما تجد هناك حراسات على المباني والمؤسسات والشخصيات مثلما نرى ذلك في منطقتنا العربية وأجزاء أخرى من العالم. كما لا يتخيل المرء أنْ تقع جريمة اغتيال في وضح النهار مثلما حدثت مع شينزو آبي الذي لقي حتفه جراء ذلك. واليابانيون يؤكدون أنفسهم أن بلدهم بلد السلام والأمان قبل أن تتحدث عنهم الشعوب الأخرى، وهذا ما لاحظته من خلال زياراتي الأربعة لهذا البلد الآمن والجميل منذ أن وصلت إليها في العام 1988 لأول مرة لحضور الدورة الصحفية التي نظَّمها مركز الصحافة الأجنبي بطوكيو، ثم في زيارات أخرى كان آخرها في العام 2010.
هناك عدة مؤسسات تعقد مقارنات عن جرائم القتل في العالم، وهي على علم بتلك الجرائم التي تقع في تلك الدول أحيانًا، خاصة الاغتيالات لبعض الشخصيات السياسية. وهي تعلم جيدًا بأن معدل الجريمة في اليابان منخفض للغاية، خاصة القتل، إلا أنها لا تخلو من الجرائم المادية التي تقع بين الحين والآخر مثل الاحتيال على الإنترنت والحسابات البنكية والتجسس...وغيرها.
مُعدل الجريمة في اليابان منخفض ومتوسط وفق بيانات مجلة "إكسبلور جابان" مقارنة مع معظم المدن والدول الأخرى. ففي العام 1989، شهدتْ اليابان 1.1 جريمة قتل لكل 100000 نسمة، وتمكَّنت من حل لغز جرائم القتل بنسبة 95.9%. وتقع أحيانا حوادث القتل في اليابان بسبب الإهمال أو الإصابة نتيجةً للحوادث. ففي العام 2013، انخفضَ معدل الجريمة الإجمالي في اليابان للعام الحادي عشر على التوالي؛ وبالتالي انخفض أيضًا عدد جرائم ومحاولات القتل إلى أدنى مستوى له. وفي العام 2014، شهدت اليابان ست حوادث للقتل فقط باستخدام أسلحة نارية مقارنة بـ33599 في الولايات المتحدة.
وبمتابعة ملف الجريمة في اليابان، فإنَّ معظم المصادر الأدبية تؤكد أن معدل جرائم القتل في اليابان منخفض جدًّا بشكل عام، إلا أنها أصبحت تزداد قليلاً في السنوات الأخيرة، مع ما لا يقل عن 80 حالة وفاة خلال العقد الماضي. ويعتبر هجوم "كيوتو أنيميشن" المتعمَّد، والذي وقع عام 2019 إحدى تلك الجرائم؛ حيث أودى بحياة 36 شخصاً على الأقل وإصابة 33 آخرين وفق المجلة، كما يعدُّ من أكثر المجازر دموية في اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما تعرض بعض المدنيين العزل من دار رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية في العام 2016 للطعن حتى الموت، وتم القبض على القاتل فورًا، إلا أنَّ 19 شخصاً لقوا حتفهم. وهناك بعض الحالات الفردية التي أوقعت القتل في الناس مثلما حصل لرئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، بجانب بعض حالات قتل الأطفال مثلما حصل في إحدى مدارس مدينة أوساكا من قبل شخص حاول الانتحار عدة مرات لكنه لم يستطع الموت، فأصبح يرغب في أن يتم اعتقاله وتنفيذ عقوبة الإعدام عليه.
وتُشير بعض الدراسات الاستقصائية الحكومية ونتائج المسح الاجتماعي إلى أنَّ الجمهور الياباني يهتم بهذا الأمر، وأصبح أكثر حرصا وخوفًا من الوقوع ضحية للجريمة، خاصة في مجال جرائم عالم الإنترنت والتكنولوجيا التي يمكن من خلالها إيقاع الناس واغتيالهم، ناهيك عن التعرض لجرائم جديدة؛ مثل: الحصول على المنشطات القاتلة، والاحتيال على الكمبيوتر وبطاقات الائتمان، والسرقة التي تنطوي على موزعات العملات، والاحتيال في التأمين... وغيرها.
الحكومة اليابانية واعية وحريصة، وتعمل دائما على إيقاف الجرائم التي يُسبِّبها البعض، كما أن لديها أدلة على وجود وافدين يأتون من أجل استغلال الحالة الأمنية التي تتميز بها اليابان، في الوقت الذي يعتقد فيه اليابانيون أنه لم يعد هناك اليوم مكان مثالي آمن بشكل متكامل؛ وبالتالي يصدرون القوانين التي يمكن من خلالها معاقبة مرتكبي الجريمة مهما كانت صغيرة.
وأخيرا نقول.. إنَّ لحظة اغتيال شينزو آبي جاءت بسبب قلة التفتيش أو الحواجز التي كانت تفصل القاتل عن الضحية؛ وذلك بسبب قلة الحوادث المماثلة التي تقع في اليابان ضد السياسيين، وأن وراء القتل دوافع خاصة كما تحدث عنها القاتل للشرطة اليابانية، في الوقت الذي يُعرف عن اليابان بأنها من أكثر الدول صرامة في تطبيق قوانين مراقبة الأسلحة في العالم في بلد يبلغ تعداده 125 مليون نسمة.
... إنَّ اغتيال شخص كشينزو آبي سوف يدفع السلطات المحلية حتماً إلى اتخاذ إجراءات صارمة في مثل هذه المناسبات الانتخابية، فيما اعترفتْ الشرطة اليابانية بأنه كانت هناك ثغرات "لا يُمكن إنكارها" في الإجراءات الأمنية الخاصة برئيس الوزراء الياباني السابق. والكلُّ يعلم بأن هذه الشخصية كانت مُحبَّة للسلام، وكانت له علاقات طيبة مع الدول العربية والعالم أجمع، فيما يعدُّ آبي من الشخصيات القليلة التي استمرت في رئاسة الوزراء لعدة سنوات، شهدت فيها اليابان تطورات اقتصادية كبيرة ومهمة وإيجابية.