حمد بن سالم العلوي
كلما أتىَ موسم الصّيف، تذكّر النَّاس السّياحة والخدمات، فتتزايد التعليقات على أداء الجهات المعنية عن القطاع السياحي، مع تلميحات بالتقصير، وفي الواقع لا أريد أن أنصّب نفسي محاميًا عن أي جهة، وهنا يجب أن أوضّح أن وزارة التراث والسياحة (الجهة الأولى المسؤولة عن القطاع) لا تنفذ المشاريع السياحية، وإنما تعمل على تنظيم ورقابة القطاع، ووضع اللوائح، وإعطاء التراخيص للخدمات السياحية، أما الأمور التنفيذية فتقوم بها الشركات والمؤسسات التي تقوم بصناعة السياحة، لكن هذا لا يعفي الوزارة من واجبها في تحديد الجهات والمناطق ذات الجذب السياحي.. ومن هنا يتبين أن دور وزارة التراث والسياحة يتمثل في الإشراف والمتابعة، ولذا لا يجب أن نطالبها بالمستحيل، وفي حقيقة الأمر إن نهضة السياحة تعتمد في الأساس على القطاع الخاص وحتى الأفراد.
غير أن النُّظم البيروقراطية التي تكبّل أمور عدة في قطاعات مختلفة، تشير إلى أن لدينا عدد كبير من البشر الذين يبدعون في خلق التعقيدات الإدارية، لضمان عدم مقدرة الآخرين على حلها! بمعنى "اللِّي شبكها هو الذي يخلصها"، على غرار ما كان يغني به المطرب عبدالحليم حافظ فيقول: "واللِّي شبكنا يخلصنا"!
هذا هو حال عدد من موظفي الحكومة في بلاد العرب قاطبة، وعُمان ليست ببعيدة، إذ إننا جزء من العالم نتأثر ونؤثر فيه، فلا شك أن لدينا عُقد صَّماء، وما أكثرها، وهذه العُقد المستعصية على الحل، لا تتحملها وزارة التراث والسياحة منفردة؛ بل قد تشارك فيها هذه الوزارة مشاركة تضامنية، وذلك مع بقية المؤسسات العامة والخاصة المعنية بالتطوير السياحي.
ومن هنا فإنّ رفع شعار "السياحة تُثري" قصدها من ذلك تشجيع الناس على العمل في صناعة السياحة، وهي صناعة مربحة جدًا لمن يجيد السير فيها، وهي تُثري حقًا، لمن يُخلص العمل فيها، وإنَّ السياحة وغيرها من القطاعات الاقتصادية، تتقدم إلى الأمام بالهمة العالية، والعقول المفتوحة وحتى المجنونة بحب الوطن وتّقدمه. وعندما تتحلى هذه العقول بالجرأة في اتخاذ القرارات الشجاعة- والمحسوبة في نفس الوقت- وأن تكون عاشقة للوطن إلى درجة الوله والهيام، فإن المسؤول الذي نبحث عنه، ستكون لديه القدرة على تحديد الأهداف الكبيرة، وكذلك المتوسطة والصغيرة، وهو يعرف ماذا يريد من قراراته؟ وماذا سيحقق بعد عدد معين من السنوات وفي كل سنة؛ لأنَّ العمل بالأهداف هو العمل الناجح والمضمون.
وهنا نؤكد مجددًا على أن البنية الأساسية لصناعة السياحة لا تقوم بها الحكومة منفردة، وإنما يقوم بها رأس المال المحلي أو الأجنبي، في حين أن واجب مؤسسات الدولة يتمثل في رسم الخطط، وتحديد المشاريع والإشراف على تنفيذها، والدفع بها إلى المستثمرين، ودعم المستثمر المحلي بالمال والمشورة، وحتى بالمشاركة إن لزم الأمر ولو إلى حين، وأن تتعهد هذه الجهات بإزالة العُقد عن طريق المستثمرين جميعًا.
إن عُمان تتميز بتنوع جغرافي وطبوغرافي عظيمين، التنوع الأول يتمثل في التوزيع الجغرافي للمفردات السياحية، وهذا التنوع يغطي كل مواسم العام، ففي فترة الشتاء تكون السواحل المطلة على بحر عُمان معتدلة البرودة، في حين يتجمد الآخرين بالثلوج، ففي عُمان يكتفي المرء بالملابس الخفيفة، أما في فترة الصيف فعندنا صلالة والجبل الأخضر، ومصيرة ورأس الحد، وكل السواحل المطلة على بحرب العرب؛ حيث تكون باردة صيفًا، وتنافس ببرودتها أجواء أوروبا. أما التنوع الثاني فيمثل الجوانب الطبوغرافية؛ وهو ما يتعلق باستغلال القلاع والحصون والحارات القديمة، كمزارات ونزل ومتاحف تاريخية.
وختامًا.. في كل هذه العناوين، تجد هناك مشاريع استثمارية وسياحية مستقلة بذاتها، وستكون مغرية في كل فصول السنة، وسيساعد استثمارها في التنمية الاجتماعية في محيطها القريب، وعلى مستوى الولايات والمحافظات، وله مردود اقتصادي مضمون في طول البلاد وعرضها، إذن؛ فقط نحتاج إلى إدارة شجاعة، وعقول نظيفة ونيرة، وأفكار مبدعة ومتطورة، وتحب عُمان أكثر من حبها لذاتها، لكي ننجز الشيء الكثير ونتقدم في كل الاتجاهات والنواحي.