طالب المقبالي
وأنا أقلّبُ في أوراقي القديمة، عثرتُ على نسخة رسالة موجهة إلى رئيس تحرير جريدة عمان تحمل مقترحًا بإنشاء نافذة عبارة عن عمود في جريدة عمان بعنوان "أضواء" أساهمُ في تحريره باعتباري مراسلًا لوكالة الأنباء العمانية؛ وذلك في منتصف عام 1987م يبدأ مطلعها بتحية الإسلام الخالدة كما يلي:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في الحقيقة أدرك أنه ليس من حقي أن أتصل بكم مباشرة دون الرجوع إلى المسؤولين في وكالة الأنباء العمانية لما يختص بنشر أي مادة عبر صفحات جريرتكم الغراء، إلّا أنني على يقين بأن عملا كهذا قد يرضي المسؤولين لما في هذا الأمر من إخلاص في تأدية الرسالة الإعلامية الملقاة على عاتقنا، ولما في هذا من خدمه للقارئ في بلادنا الحبيبة.
فعلى ضوء ذلك أود مشاركة زملائي المحررين في جريرتكم بإنشاء عمود للمناقشة ابتداء بالمواضيع التي أرفقها لكم في طيات هذه المذكرة إن رأيتم صلاحيتها لذلك، أو تحويلها إلى الزميل سالم من خميس المخيني لتخصيص عمود ضمن صفحته رسائل القراء، ويكون تحت عنوان دائم "أضواء"، فإن نالت هذه المواضيع رضاكم فإنني سوف أواصل المشاركة بإلقاء الضوء على الكثير من الأمور والقضايا التي تحدث من حولنا، وكذلك تسليط الأضواء على المنجزات التي تحققت في ظل النهضة المباركة لمولانا حضرت صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام، طالب بن مبارك المقبالي مندوب وكالة الأنباء العمانية". (انتهت الرسالة).
كان هذا مضمون الرسالة التي وجهتها إلى رئيس تحرير جريدة عمان وقتذاك، وفي صفحة أخرى كان نموذجًا لأول موضوع من المواضيع التي ستنشر تحت زاوية أو عمود "أضواء" وكان يسلط الضوء على المعاهد والمدارس الدينية في بلادنا والتي كانت تعقد في المساجد في كل من ولايتي نزوى والرستاق اللتين عرفتا قديمًا بالمدرستين الرستاقية والنزوانية، وفيما يلي نص الموضوع أو الحلقة الأولى من سلسلة أضواء:
"عزيزي القارئ.. أشياء كثيرة وأمور تستوجب التريث أمامها وإلقاء الضوء عليها، فما يحدث من حولنا يستحق إعادة النظر فيه وتغيير الاتجاه والنمط الذي يسير عليه، فلعل أناسًا فقدوا أشياء لا يدركون عواقب تجاهلها، فالمثل يقول "فاقد الشيء لا يعطيه" أي بمعنى أن الذي يعاني من المشكلة ليس كالذي لا يعاني منها.
فمن المعروف قبل النهضة المباركة لم تكن هناك سوى 3 مدارس للتعليم في السلطنة، وعُمان واسعة الأرجاء ولا يمكن لكل الشباب أن يلتحقوا بتلك المدارس، ولكن كانت هناك معاهد دينية وحلقات لتدريس الفقه والعلوم الاسلامية وعلوم النحو والصرف وعلوم الفلك وغيرها من العلوم.
وقد تخرج من تلك المعاهد والمساجد العشرات بل المئات من العلماء والقضاة والولاة والمعلمين، ومن هؤلاء من ارتقوا إلى مراتب وزارية كبرى، والغالبية منهم كثيرًا ما تزخر مكتباتنا بمؤلفاتهم القيمة من ثمرات أقلامهم.
ويوجد شباب قد تلقوا تعليمهم فيما بين الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، ومع انبلاج فجر النهضة المباركة تم تعيينهم في مختلف القطاعات، فمنهم من التحق بالمحاكم الشرعية كقضاة أو كتبة، ومنهم من التحق بسلك التعليم فأصبح معلمًا، أما القضاة فقد تحسنت أوضاعهم، إذ توليهم الدولة رعاية خاصة لندرة الكوادر العمانية في هذا المجال، أما الذين التحقوا بأعمال أخرى كالمعلمين مثلًا فقد حكم عليهم الزمن بالبقاء في أماكنهم ويعاملون كبقية العاملين الذين لا يحملون مؤهلات علمية، مع أن ثقافتهم فوق المستوى الجامعي، ولكن- وبكل أسف- لا ينظر إلى الجوهر، وإنما ينظر إلى المؤهل والشهادة الحديثة.
فعلى سبيل المثال، هناك شاب أعرفه جيدًا قد تم تعيينه عام 1971 معلمًا، وما زال حتى يومنا هذا معلمًا بالدرجة الرابعة من الحلقة الثانية، وكل من تعلم على يديه أصبحوا رؤساء في أعمالهم، فمنهم من أصبحوا مديري مدارس، ومنهم من أصبحوا أعلى من ذلك، مع العلم أن لهذا الرجل ثقافة واسعة في العلوم الشرعية والفقه، وحتى علوم الفلك، ولديه باع طويل في الأدب والشعر. وقد طُلب للقضاء من قبل وزارة العدل والأوقاف والشؤون الاسلامية لعلمها واطلاعها على ثقافته ومستواه من التعليم، إلا أنه يرفض في كل مرة لما في هذا العمل من مصاعب وتحمل للمسؤولية دنيا وآخرة، وقد اختار مهنة التدريس بدرجته تلك مضحيًا بالفرص الذهبية التي يسعى لها كثيرون ولا ينالوها.
هذا واحد من أولئك الذين كبتت طموحاتهم ومواهبهم الفكرية لعدم حمل الشهادة، فلما كان الوضع السائد معروفًا في نظام التعليم في عُمان سابقًا لما لا تنشأ أقسام بالمعاهد أو المدارس أو الكليات أو حتى في جامعة السلطان قابوس لقياس واختبار مستويات المواطنين ممن يرغبون ذلك كي يحصلون على المؤهلات والشهادات التي يستحقونها، ومن ثم بإمكانهم مواصلة دراستهم كما هو متبع في معاهد الأزهر بجمهورية مصر العربية، أو في الجامعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية.
وإنني أعرف أناسًا ذهبوا إلى معهد البحوث الاسلامية بجمهورية مصر العربية لمواصلة الدراسة من خلال اختبار المستوى، فأنهوا الثانوية العامة، بعد ذلك واصلوا دراساتهم الجامعية سواءً بالإنتساب إلى جامعة بيروت العربية أو الجامعات المصرية، ثم واصلوا دراساتهم العليا وحصلوا على درجتي الماجستير والدكتوراه.
مثل هؤلاء الأشخاص يمتلكون ثقافات عالية بفضل تعليم المعاهد والمطالعة، فالشهادة ليست بالمقياس للثقافة، وهنا أودُ أن أتطرق إلى جانب آخر وهي الخبرة في العمل؛ فالبعض يحمل شهادة الصف السادس الابتدائي أو الأول أو الثاني الاعدادي وقد اقتضت ظروفهم المادية إلى ترك الدراسة والالتحاق بالعمل". (انتهت الرسالة الأولى).
أكتفي بهذا الجزء من النافذة الأولى للحلقة الأولى من زاوية "أضواء" التي لم ترَ النور، ولم يعرها رئيس تحرير جريدة عمان- آنذاك- أي اهتمام بالمقترح، ولم يتم الرد حتى يومنا هذا، وبقيت الزاوية مركونة في أوراقي المنسية!!