لسنا مع الحروب

 

علي بن بدر البوسعيدي

 

مر على العالم فقط خلال العامين الماضيين أزمات عنيفة وحادة تسببت في حالة من الركود الاقتصادي العميق، وتعطل سلاسل الإمداد وارتفاع كبير في الأسعار، وفوق كل ذلك مخاوف متزايدة من شبح مجاعة قد يضرب أجزاء كبيرة من العالم، فهل من المنطق الآن أن تُدق طبول الحرب في أي مكان في العالم، وخاصة في منطقتنا، التي اكتوت بنيران الحروب والفتن والصراعات التي لم يكن لنا أي علاقة بها.

الحقيقة الواضحة والماثلة أمامنا الآن أن هناك من يريد الزج بالإقليم في أتون معارك بالوكالة عن قوى عالمية، فيما أن هذه القوى تفرض على الكثير من دول المنطقة صفقات تسليح تُنهك ميزانيات الدول، فبدلًا من توجيه هذه الأموال والمخصصات إلى مشاريع التنمية المستدامة وتوفير العيش الكريم للمواطن العربي، يتم تخصيصها نحو التسليح الذي لن يؤدي سوى تأجيج الوضع في المنطقة والدفع بها إلى حافة الهاوية، لا قدر الله.

وفي ظل ما يُتداول بشأن إنشاء "حلف الناتو الشرق أوسطي" فيتعين علينا القول إننا لسنا مع الحروب؛ لأن مثل هذه التحالفات لن تحقق أي تنمية؛ بل ستزيد الوضع تعقيدًا، وستفاقم التوترات الإقليمية، ولن تجني منطقتنا من جراء ذلك سوى التدمير والخراب.

ومن هنا يتعين على دول المنطقة أن تتحلى بالوعي الكافي، لأن التحالفات العسكرية على مدى التاريخ أثبتت أنها لا تخدم مصالحنا، في حين أن تبني نهج سياسة الحياد الإيجابي تبين أنها النهج الأمثل الذي يجب أن تسير عليه كل الدول. ومن المؤسف أن الحديث عن التحالف العسكري الإقليمي الذي ترغب القوى العالمية في تأسيسه يسعى لضم الكيان الصهيوني وإقحامه في منطقتنا، ضمن مخطط "الشرق الأوسط الكبير" المشؤوم الذي كشفت عن الولايات المتحدة قبل عقدين تقريبًا. لكن علينا أن نعلم أن هذه المخططات الخبيثة لا تتراجع عنها القوى العالمية، ولا يجب أن يظن البعض أن هذا المخطط قد ذهب أدراج الرياح، ولكن يتم تأجيله بين الحين والآخر، في صور ومسميات مختلفة، فقد أطلقوا عليه خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باسم "صفقة القرن" وكان مهندسها جاريد كوشنير صهر ترامب وكبير مستشاريه، ثم الآن يسمونه "تحالف الناتو الشرق الأوسطي".

إن من الحكمة أن ندرك ونتيقن من أعدائنا قبل أصدقائنا، فلا يمكن أن نصدق أن قوى الاستعمار الحديث والكيان الغاصب للأرض العربية المحتلة سيكون صديقًا لنا في يوم من الأيام، بينما تمارس القتل العمدي والإعدامات الميدانية في الشوارع بحق إخواننا الفلسطينيين، وغيرها من جرائم الإرهاب الصهويني في فلسطين المحتلة... ولذا وجب الحذر كل الحذر من أي أحلاف عسكرية مكتوب لها الفشل قبل أن تُولد.