نعيب الزمان.. والعيب فينا!

 

خالد ألسلامي

كاتب عراقي

  الزمن هذا الشيء العجيب المحسوس دون رؤيته والمعاش دون أن تلمسه أو تذوقه، هذا الشيء الذي خلقه الله سبحانه وتعالى ولم يجعل له لونا أو طعما أو رائحة وجعلنا ندور في فلكه دون أن نركب في مقعد من مقاعده رغم أنه لا يحتوي على مقاعد أو كراسي، هذا الزمن الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بحركة الأرض حول نفسها وحول الشمس إذ لولا هذه الحركة لما وجد الزمن ولما عرفه أحد هل هو مخلوق كأي كائن موجود له كتلة وكثافة وحجم أو هو لا وجود له ولا يحمل شيئا من هذه الصفات رغم أنه موجود، وهكذا يمكن نعتبر بداية وجوده (الزمن) مع أول حركة للأرض حول الشمس وحول نفسها حين خلق الله سبحانه وتعالى الخليقة ولا نعلم ما قبل ذلك، حين كانت السماوات والأرض رتقا ففتقهما الله سبحانه وتعالى، إن كان للزمن من وجود أم لا.

إذاً فالزمان عبارة عن إيقاع حركي لا يمكن إدراكه بدون حدث يمر علينا فإن كان الحدث سعيداً وذا فائدة لنا نتحسسه بفرح غامر رغم إننا لا نمدحه ونعتبر ذلك الحدث السعيد المفيد من إنجازاتنا نحن وليس للزمن فيه دور وهو حق لأن الزمن ليس له دور في كل الأحداث التي تدور في نطاقه، وإن كان ذلك الحدث مؤلما ويجلب الأذى والخسائر لنا سنبقى نلعن الزمان ما دمنا نتذكر ذاك الحدث المؤلم وكأنه هو مَن جاءنا بتلك البلوى رغم أننا قد نكون وقعنا بذلك الحدث نتيجة أخطائنا أو سوء تدبيرنا والزمن منه براء.

فلماذا نلوم الزمن وليس له حول ولا قوة في عمل الأشياء أو الأحداث حزينها أو السعيدة منها بل هو مرتبط المصير بحركة الأرض والكواكب وهذه الحركة التي هي من نِعَم الله جلت قدرته علينا، التي إن توقفت توقف الزمن، كأولئك الذين يلومون بلدانهم ويلعنون وجودهم فيها رغم أنَّهم يعلمون ألا ذنب لها سوى أنها احتوتهم بين جنباتها فهم لا يستحقونها لأنهم هم من أساء إليها ولم يخدموها أو يعملون على إظهارها كما يجب، أو كمن يلقي الفضلات في المياه النظيفة ويضع اللوم على الماء فيقول هذا الماء كذا وكذا واصفاً له بالقذارة وهو من جعله هكذا لرميه الفضلات والقمامة في مجراه، وكذلك الذي يزحف على الشارع طمعاً في زيادة مسكنه شبرا أو شبرين أو يقوم بحفر الحفر فيه لمصلحته الشخصية ثم يقول ذلك الشارع المتعب التالف المليء بالمطبات والحفر ويسترسل في ذمه وقدحه وهو من أوصله إلى هذه الحال والأمثلة على هذه الحالات لا تعد ولا تحصى.

فالزمن الذي عشناه ونعيشه دون أن ندركه لا يستحق منَّا اللعنات والسب والشتم لأنه أحد الأشياء التي أقسم بها الله عز وجل في كتابه المجيد حين قال (بسم الله الرحمن الرحيم، والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، صدق الله العظيم) تلك الآيات الكريمة تبين لنا أن الإنسان هو المنقذ والمحسن للزمن وغيره وهو نفسه من يسيء إليه وإلى غيره فالذي يعمل صالحا هو من يُحسن له ومن أساء فإنه يسيء لذلك الزمن البريء من كل سوء والذي أصبح شماعة نُعلق عليها أخطاءنا وأحياناً نجعلها إجابة فيها نوع من الدبلوماسية حين نريد أن نغطي على فشلنا أو نتهرب من الحقيقة فنضع اللوم على ذلك الزمن المظلوم البريء ورحم الله الشافعي الذي قال

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا

وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا

وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ

وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا

تعليق عبر الفيس بوك