ماذا تريد مسقط من طهران؟

 

د. عبدالله باحجاج

فور الإعلان عن زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لسلطنة عُمان، والتي ستكون خلال الساعات المُقبلة، رجعت بي الذاكرة إلى كلمة "لكن" للرئيس الإيراني، وذلك عندما وصف العلاقات الإيرانية العمانية بأنها جيدة، لكنه استدرك قائلاً "ولكن"، وذلك أثناء استقباله معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية في طهران يوم الأربعاء 23 فبراير 2022.

"لكن" تُقلل من مُطلق وصف العلاقات بين مسقط وطهران بأنها جيدة، وقد اعتبرتها في حينها أنها عتاب إيراني مُبطّن، ويرتقي إلى مستوى الصراحة ضمن ذلك السياق في توقيته ومناسبته، ويُدلل على ما وراء الكواليس، وقد تُفهم هذه الكواليس من سياقات ثنائية وإقليمية، في ظل التنافس الإقليمي الجيوسياسي والجيواقتصادي. ربما هو عتاب على بعض أولويات مسقط الإقليمية في بداية عام 2022، وإذا كان لدى طهران "لكن" واحدة، فلدى مسقط مجموعة "لكن"، مثلًا: ما رسمه لنا أحد سفراء إيران السابقين، وذلك عندما تحدث عن مشاريع إيرانية ضخمة في البلاد.. فأين هي الآن؟ والتساؤل الذي ينبغي أن يُطرح هنا: ماذا استفادت مسقط نتيجة دورها الإقليمي الذي كان يجنِّب طهران خاصة، والمنطقة عامة أسوأ الاحتمالات؟

العتاب بين الأشقاء والأصدقاء وارد؛ بل ومقبول، حتى لو بصوت مرتفع من قبل أعلى السلطات، ويبدو أن لمسقط الآن رؤية واضحة لعلاقاتها المستقبلية مع إيران مستلهمة من قديمها وجديدها، ومتطلعة للمستقبل من مرئيات معاصرة. وانطلقُ هنا من تصريح وزير الخارجية العماني الذي أعرب- من طهران أثناء تسليم الرئيس الإيراني دعوة الزيارة- عن ثقته بأنّ هذه الزيارة ستكون زيارة تاريخية وستُحقق أهداف الشعبين، بينما تصريحات السفير الإيراني في مسقط لجريدة الرؤية أمس، تكشف عن إحياء محور إقليمي في توقيت حساس جدًا، وذلك عندما قال إنَّ الرئيس الإيراني سيبحث آليات تفعيل اتفاقية عشق أباد، مؤكدا أن قطاع الموانئ يمثل فرصة واعدة للاستثمارات المشتركة. والمتأمل فيما سبق، سيخرج بالملاحظات التالية:

أولًا: تصريح وزير الخارجية العماني:

-    الوزير يرد مباشرة مكانًا وتوقيتًا، على "لكن"، وهذا ما يُدلل على وجود رؤية عمانية معاصرة تجاه جارتها طهران، بدلًا مما كانت تحكمها من هواجس معرقلة، شأنها شأن علاقة بلادنا مع الأشقاء الخليجيين.

-    الرؤية العمانية الجديدة تستوعب ماضي العلاقات العمانية الإيرانية، وتنطلق من محاولة مسقط منذ بداية عام 2022 الرهان على الشراكة الخليجية التي يبدو أن أولوية الأشقاء في الخليج، قد تغيرت باتجاه دول إقليمية، عوضًا عن أن تكون الإسراع بتحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية، التي اعتبرها أولوية الأولويات للدول الست.

-    زيارة الرئيس الإيراني لمسقط ستنجم عنها اتفاقيات تاريخية تشكل نقلة في مسار العلاقات العمانية الإيرانية، وسيكون لها انعكاسات إيجابية على ثلاثة الأصعدة العمانية الإيرانية والإقليمية والدولية.

ثانيًا: تصريح السفير الإيراني:

-    تركيز طهران على إحياء اتفاقية عشق أباد استغلالًا لجيوستراتيجة السلطنة الذي كان متاحًا للتوأمة الاستراتيجية الخليجية الخليجية؛ حيث تنص الاتفاقية على أن تقوم الدول الموقعة عليها‌ بتأسيس محور دولي للنقل بالعبور، يربط دول آسيا الوسطى بموانئ عُمان. وتأمل هذه الاتفاقية تعزيز التجارة الدولية للدول الأطراف في الاتفاقية، مستفيدةً من الموقع الاستراتيجي لسلطنة عمان الذي يرتبط بالممرات البحرية الدولية، إضافة إلى البنية التي تتمتع بها الموانئ العُمانية التي يمكنها استقبال كبرى البواخر العالمية، بجانب التسهيلات والخدمات اللوجستية التي تمتلكها. ودول اتفاقية عشق أباد هي: سلطنة عمان وإيران وباكستان وكازخستان وأوزبكستان وتركمانستان.

-    لم تعطِني تصريحات السفير الإيراني انطباعًا بوجود متغيرات إيرانية في فهم المصالح العمانية الجديدة؛ فالسفير يتحدث عن تزايد زيارات المواطنين للعلاج في إيران، وعن بحث إيرانيين عن فرص استثمارية في بلادنا.. إلخ. لذلك لابُد من طرح التساؤل الذي عُنوِن به المقال، وهو: ماذا تريد مسقط من طهران؟

هذا تساؤل البرغماتية العمانية الجديدة، فما أدلى به السفير الإيراني من تصريحات لجريدة الرؤية العمانية، لم يكن على مستوى حجم المصالح العمانية الجديدة، ربما كانت سقوفات المرحلة السابقة، أي قبل اعتماد عُمان لـ"رؤية 2040"، أما وبعد اعتمادها، فينبغي أن تكون حاكمة للسياسة الخارجية العمانية، والسياسة العمانية في عهدنا المتجدد، تكون محكومة بنجاح رؤية "عمان 2040"، ووفق هذا التأطير، نسأل: ماذا نريد من طهران الآن؟ الإجابة على التساؤل تستوعب كل الهواجس الجغرافية الديموغرافية بحمولة هذا الأخير الحساسة، اعتدادًا وتطبيقًا، فلستُ مع الطروحات التي تطالب بإسقاطها أبدًا مهما كانت المسوغات التي تضرب أمثلة بدول في المنطقة، وتعتبرها معيارًا ينبغي الاقتداء به.

فما يُقدم عليه الآخرون ليس حجة علينا، وإنّما هي خياراتهم إذا ما أرادوا جعل بلدانهم مفتوحة على مصراعيها من كل الأبواب. صحيح أن تفعيل قطاع الموانئ العماني بين ست دول إقليمية يدخل ضمن "رؤية 2040" في مجال تنويع مصادر الدخل، ويمكن أن يشكل متغيرًا جديدًا يؤسس محورًا إقليميًا قويًا، لكنه يخدم طهران أكثر، من كل النواحي السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية.

حاجة بلادنا من إيران الآن أكبر، وتتعاظم في مجالات تتعلق بالمستقبل، ويمكن أن تُؤسَس شراكة عمانية إيرانية مستدامة، تُبنى عليها روابط عميقة بين البلدين، ومن أبرزها: القدرات التكنولوجية والطبية والعلمية الإيرانية المتقدمة. وتشير المصادر التي اطلعتُ عليها أن طهران ستستفرد في هذه المجالات إقليميًا، فلدى إيران برنامج تموله منذ نحو 20 عامًا قد يرى النور قريبًا، حسب المصادر. ويتمثل هذا البرنامج في تطوير القدرات البشرية والتقنية للإيرانيين في مجال العلوم والتكنولوجيا لأهداف مختلفة؛ أهمها: خلق موارد غير نفطية لزيادة الدخل وتقليص آثار العقوبات، وزيادة امتلاك مقدرات القوة التكنولوجية لأغراض سلمية أو عسكرية. وتراهن عليه إيران لمستقبلها القريب، وتعد تلكم المجالات- حسبما يراه البعض- سلاح التفوق الإيراني المستقبلي على دول المنطقة.

هذا نموذج من عدة نماذج يمكن الاستفادة منها؛ خاصة وأن رؤية "عُمان 2040"، تعتبر اقتصاد المعرفة صمامَ أمانٍ للاقتصاد العماني، ويمكن أن تعتبر طهران إحدى الدول المهمة التي تساعدنا في تحقيق اقتصاد المعرفة، مقابل ما يمكن أن تحصله سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.

هل يمكن القول إنَّ دول المنظومة الخليجية قد فوتت فرصة تاريخية جديدة فيما بينها؟ أم أن التقارب الإيراني العُماني الجديد ينسجم مع ما يحدث في الكواليس من نجاح التقارب الخليجي الإيراني، وبالذات مع الرياض؟

نطرح هذا التساؤل الأخير حتى لا نُفرط في التشاؤم، ونترك مجالًا للاحتمالات. أما إذا ما اعتددنا بحالة الهدوء في تنفيذ خطوات الوحدة الاقتصادية المقررة عام 2025، واتجاه البوصلة الخليجية لخارج المنطقة الخليجية في تشكيل الحلفاء الجدد، فإن الشق الأول من التساؤل سيكون هو الأرجح، فماذا في زيارة الرئيس الإيراني لمسقط من نتائج ترتقي لمستوى الطموحات العمانية الكبرى؟ وهل نتائجها ستسحب من القمة الخليجية المقبلة في الرياض سقف طموحاتها التي انتجتها قمتا العلا والرياض؟