العالم وكارثة الغذاء

علي الرئيسي

الدول الفقيرة تواجه تحديات خطيرة، نتيجة للديون المتراكمة، والتضخم، كما إن الحرب الروسية الأوكرانية مع السياسات المقيدة لتوسع الائتمان المصرفي، علاوة على تراجع النمو الاقتصادي في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، نتيجة للإغلاقات الناتجة عن تفشي كوفيد-19، كل ذلك سيؤدي إلى كارثة في الدول متوسطة الدخل والفقيرة حسب خبراء اقتصاديين.

وتقول جياتا جوش الاقتصادية في جامعة ماساتشوستس في أمهيرست: "الحرائق في كل الاتجاهات، الأزمة الحالية قد تكون أكبر من الأزمة المالية العالمية، كل الأمور تعمل ضد الدول متوسطة الدخل والغنية". والأثر الأكبر المباشر هو في ارتفاع أسعار زيوت الطبخ، والأسمدة وأسعار الغذاء وبالذات أسعار القمح.

وتسبب فرض الدول الغربية عقوبات اقتصادية على روسيا،، وهي بلد مصدر رئيسي للنفط والغاز، في إعاقة صادرات الطاقة، مما أدى إلى ارتفاع خيالي في أسعارها، وتسبب ذلك في تباطؤ النمو الاقتصادي، وبالذات في الدول المعتمدة على الواردات. وارتفاع أسعار الطاقة سبب رئيسي للتوقعات بانخفاض النمو الاقتصادي العالمي من 6.1  بالمائة الى 3.6 بالمائة وذلك وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وحسب لجنة الإنقاذ الدولية، هناك أكثر من 14 مليون شخص على حافة المجاعة في القرن الأفريقي، ويعود ذلك إلى الجفاف، وتفشي جائحة كورونا، وتوقف صادرات القمح من أوكرانيا وروسيا، وهما مُصدِّران لربع احتياجات العالم من القمح. كما توقفت الهند عن تصدير القمح وهي ثاني مصدر عالمي له.

هذه المأساة تتكشف، خاصة وأن الجائحة لا زالت تستهدف النظام الصحي في معظم البلدان، وتستنزف موارد الحكومات، كما إن قيام الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى برفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، سيدفع بالمستثمرين إلى التخلي عن الاستثمار في الدول ذات الدخول المنخفضة، وتحويل استثماراتهم إلى أصول أقل مخاطرة في الدول الغنية. وهناك تخوف من أن ارتفاع أسعار الفائدة سيؤدي إلى ركود اقتصادي، خاصة إذا قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة بنسب عالية وفي وقت قصير، وهذا التخوف قد أدى إلى انخفاض كبير في أسعار الأسهم حول العالم.

أما التحول في تدفقات الأموال، فقد أدى إلى ارتفاع قيمة الدولار، دافعًا قيمة عملات البلدان الأخرى للانخفاض من الهند إلى جنوب أفريقيا إلى البرازيل، مما جعل واردات هذه البلدان أكثر كلفةً. والتشدد في منح الائتمان زاد من كلفة الاقتراض على الدول الأكثر مديونية في العالم. أضف إلى ذلك أن تباطؤ الاقتصاد الصيني نتيجة للإغلاقات أدى إلى تباطؤ الطلب على المواد الخام، وقطع الغيار والسلع التي كانت تستوردها الصين.

وعلى المستوى العالمي، ارتفعت أسعار صادرات القمح والذرة بنسبة كبيرة، وهناك عدد من الاقتصاديين يتهم الشركات العاملة في المجال الزراعي باستغلال الحرب القائمة لمضاعفة أرباحهم، دون أن يكون لذلك علاقة بالعرض والطلب في السوق. ففي أبريل، كان المضاربون مسؤولين عن أنشطة الشراء في سوق باريس للقمح بارتفاع تجاور 25 بالمائة عما كان الوضع عليه قبل الجائحة. كما إن من المفارقة أن صادرات معظم الدول المصدرة للطاقة قد ارتفعت، بما فيها روسيا بينما تواصل أسعار الوقود ارتفاعها.

ويواجه الفقراء وضعًا صعبًا في بلدان عديدة؛ مما يهدد باضطرابات سياسية واجتماعية، وهناك دول عديدة في العالم الثالث يهددها مصير سيريلانكا التي أعلنت إفلاسها، مثل الكونغو والكاميرون في أفريقيا، وكذلك دول عديدة في أمريكا اللاتينية. وهناك دول اعتادت على الأزمات الاقتصادية، مثل تركيا. بينما يُرشح عدد من المراقبين إيران التي تواجه وضعًا اقتصاديًا صعبًا، لاحتمال تفجّر الأوضاع فيها.

أما بالنسبة للدول العربية، فالقائمة تطول وخاصة للدول المستوردة للنفط، وتلك التي تعاني من المديونية العالية، مثل مصر والأردن ولبنان واليمن وتونس والمغرب. ونشر صندوق النقد الدولي مؤخرًا مؤشرًا للاضطرابات الاجتماعية، وهذا المؤشر يشير إلى البلدان المرشحة للاضطرابات الاجتماعية نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي.

باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية