طالب المقبالي
مع مطلع شهر يوليو من العام 2016، بدأتْ عدستي تُحلِّق في أجواء السلطنة من خلال أول طائرة درون أقتنيها، وذلك للانتقال إلى مرحلة جديدة من عالم التصوير تُضاف إلى مسيرتي في هذا العالم التي امتدَّت على مدى قرابة خمسة عقود من الزمن، ولا تزال مُستمرة.
هذه المُقدمة كانت لمقال كتبته بتاريخ 18 أغسطس 2020 بعنوان "بعتُ طائرتي الدرون"، فقد توقفت عن التصوير الجوي وبعت طائرتي احترامًا وامتثالًا للقرار رقم 417/ 2020 الصادر عن هيئة الطيران المدني بإصدار لائحة تنظيم ممارسة نشاط الطيران والأعمال الجوية بواسطة طائرة بدون طيار والذي جاء استنادًا إلى نظام هيئة الطيران المدني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2013/43، وإلى قانون الطيران المدني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2019/76.
وفي محاولة سابقة تقدمت عبر إحدى المؤسسات الصحفية التي أنتمي إليها وذلك في العام 2017 بطلب استصدار ترخيص خاص بي من الجهات المعنية قبل صدور القانون الجديد المُنظِّم لهذا النوع من الطائرات المُسيَّرة لغرض التصوير، وقد باءت المحاولة بالفشل. وبعد صدور القرار المشار إليه، وفي محاولة جديدة ولكن هذه المرة باسم مؤسسة النبأ للصحافة والنشر وذلك للتصوير الصحفي، بحيث أتولى التصوير بنفسي. فبتاريخ 8 أغسطس 2021، تقدمت إلى دائرة السلامة الجوية بهيئة الطيران المدني بطلب الحصول على ترخيص لاستخدام طائرة درون خاصة بالتصوير الجوي للأعمال الصحفية والتقارير السياحية للسلطنة. وقد علمت أنَّ إصدار الترخيص يتطلب موافقة عدة جهات بين عسكرية ومدنية، من بينها طيران الشرطة، وسلاح الجو السلطاني العماني، حيث هناك شروط صعبة فعليًا ولا تخدم العمل الصحفي. فقط طُلب مني إحضار كشف يوضح الأماكن المطلوب تصويرها والتاريخ والتوقيت وإحداثيات المواقع.
وبرغم أنَّ التصوير الصحفي لا يُمكن تقييده بموعد أو زمن ما، عدا المواقع السياحية الثابتة كالمعالم وغيرها، إلا أنني قدمت الكشف المطلوب دون اقتناع، وتمت الموافقة المبدئية.
بعد ذلك ظهر عائق كبير جاء هذه المرة من هيئة الطيران المدني التي تشترط مرافقًا أمنيًا يدفع له مبلغ 50 ريالًا مقابل التقاط صورة نبرز من خلالها معالم بلادنا الجميلة، ونعرّف العالم بها. وبالنسبة للصحيفة، فإنها مؤسسة صحفية غير ربحية هدفها إبراز مقومات سلطنة عمان وما تزخر به من طبيعة ساحرة ومن معالم أثرية لا يمكن أن تبرزها سوى الصورة التي تلتقط من الأعلى.
ومن واقع خبرتي في التصوير، فإنني لا أصور مشهدًا من السماء إلا بصحبة شخص من أبناء القرى أو شيخ المنطقة ليطلعني على الأماكن التي لا ينبغي التحليق فوقها. كذلك كنت أحترم التحليق في الأماكن الحساسة كالمواقع العسكرية والمطارات والقصور، وغيرها من الأماكن التي يقول العقل والمنطق أنه لا يجوز التحليق فوقها.
وللعلم فإن التصوير الجوي بالدرون غالبًا ما يتراوح ارتفاعه بين 70 إلى 100 متر، بحيث تكتمل الصورة مع هذا الارتفاع، وهذا الطيران لا يؤثر على طائرات الاستطلاع والطوارئ والهيلوكوبتر التابعة لسلاح الجو أو طيران الشرطة، كذلك يبعد كل البعد عن ارتفاع الطيران المدني، والمصور الذي هو أهل للمسؤولية يعرف متى يمكن التحليق للتصوير ومتى لا يمكن ذلك.
لذلك أناشد الجهات المعنية مراعاة المؤسسات الصحفية بتغيير القوانين واللوائح المنظمة فيما يتعلق بالتصوير الجوي الصحفي، فهناك مئات الهواة من يجوبون أجواء البلاد دون متابعة أو مساءلة قانونية رغم نشر صورهم عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تشدد الإجراءات وتطبق القوانين والأنظمة على المؤسسات الصحفية المعتمدة التي تطلب العمل في هذا المجال بشكل قانوني ومنظم.
فمن المؤسف أن يستوقفك حارس حصن أو قلعة وأنت رئيس تحرير مُؤسسة صحفية معتمدة أتيت لتصور ذلك المعلم كي تنشره في تقرير سياحي، أو يستوقفك شرطي وأنت تصور شلالًا ينحدر من الجبال بعيدًا عن المواقع العسكرية والمطارات والقصور، والمواقع الحساسة الذي لا يقبله منطق أو مبدأ أن تحلق بطائرتك في مثل هذه الأماكن قبل أن يكون التطيير فوقها ممنوعًا.
فأنت لست من الهواة الذين يصورون للنشر في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الشهرة وجمع الإعجابات وزيادة عدد المتابعين. أنت تُدير مؤسسة إعلامية هدفها نشر الصور عن الأماكن السياحية من أجل التسويق لسلطنة عمان وإظهار جماليات البلاد التي لا تستطيع الكاميرا العادية أن تظهرها، فالصورة من الأعلى تعطي أبعادًا واسعة، ولها تأثير كبير.
وقبل التوقف عن التصوير الجوي احترامًا للقرار رقم 417/ 2020 صورت العديد من المواقع في بلادي، وقد لاقت الصور إقبالًا كبيرًا من الجمهور، ومن جهات رسمية، وقد قامتْ وزارة الإعلام بسلطنة عُمان مشكُورةً بإدراج مجموعة من الصور التي التقطتها عدستي الطائرة في كتاب عُمان 2018 وعُمان 2019، وكانت تُمثِّل بعض القلاع والحصون، ومشاهد من محافظة ظفار خلال خريف عام 2018، وصورًا لمجمع الرستاق الرياضي.
هذه هي الغاية وهذا هو الهدف، وقد قامت جمعية الصحفيين العمانية مشكورة بتزكية طلبي، والالتماس بإعفائي من شرط وجود مراقب أمني ودفع مبلغ 50 ريالًا، إلّا أنَّ الطلب قوبل أيضًا بالرفض للأسف.
أرجو وأتمنى من الجهات المعنية أن تقدم التسهيلات للصحفيين والمؤسسات الصحفية التي تستهدف من وراء التصوير الجوي إبراز مواطن الجمال في عماننا الغالية، وإيصال صورة مشرقة ومُشرِّفة عن هذا الوطن الجميل للعالم أجمع.