أشلاء الروح

 

سالم بن نجيم البادي

ضحي المفجوع يلملم أشلاء روحه المُتعبة والمتناثرة في الجهات الأربع والتائهة في دروب الحياة وهو يجري خلف السراب في صهد الأيام ويسير خلف الأوهام وهو المسرف في التمنيات الخادعة.

ونحن في رمضان وفي العشر الأواخر منه والقوم في انتظار ليلة القدر المباركة والأكف مرفوعة إلى السماء الغوث الغوث والجباه ساجدة، والقلوب تلهج بذكر الله صاحب الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ورياح الرحمة تهب سخاء رخاء، وروح ضحي تلهث تريد اللحاق لتنال حظها من فيض الرحمات وتأمل الشفاء من هذا التشظي والضياع، وهاتف ينادي أن الحق بالركب يا ضحي وضحي كسول ويسوف ويضيع أوقاته سدى، لكنه وعلى غير العادة قرر أن يسير خلف قافلة أهل الطاعة والتقوى، أن يجرب ويحاول لما رأى سيماء السكينة والهيبة والوقار وهدوء نفوس هؤلاء أهل الله والدين والصلاح والتقوى، وهو القلق دوما والمشاغب والمشاكس، والمتمرد على كل شيء وعلى تجار الدين وأهل المظاهر والتشدد والغلو في الدين والذين يعتقدون أنهم وحدهم حراس الفضيلة وهم وحدهم من يعرفون الحلال والحرام وقد يوزعون صكوك الغفران ويحكمون على المرء من مظهره ولا يعلمون أن الله وحده من يحكم على الناس وهم يدسون أنوفهم في كل شيء حتى خصوصيات الناس.

وضحي وجد ضالته بعيدًا عن هؤلاء في كتاب الله العزيز في سورة البقرة وياسين والرحمن والواقعة والملك والانشراح والمعوذات وسورة الإخلاص "قل هو الله أحد" وكل سور القرآن سكنت روحه إلى واحات ذات ظل ظليل وريحان واخضرت بعد الجفاف والصوم يجعل للروح أجنحة تحلق بها في الأجواء الإيمانية الرحبة حتى لكأن الكون كله بهجة غامرة لا توصف والروح تسبح في غمامة من الطمأنينة وتغرق في أنهار من السلام، وتهطل السكينة كما المطر على أرواح، أولئك الذين عرفوا كيف يستغلون أوقات رمضان وقد أيقنوا تمامًا ألا سعادة إلا في رحاب الله ودينه القويم وقد انشغلوا بأنفسهم وتركوا الخلق للخالق سبحانه وتعالى.

ضحي ينتظر ليلة القدر وثمار الصيام لعل الله أن يغير أحواله إلى الأفضل وتهدأ نفسه أخيرًا بعد طول الشتات.