الإعلام بين فلسفة الدولة وواقع المجتمع

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

كاتب وباحث

sultankamis@gmail.com

 

يمثل الإعلام قاعدة حسَّاسة للدولة والمواطنين سواء لمد جسور التآلف أو القطيعة، فهو سلاح فتَّاك ومعول بناء وتطوير في آنٍ واحدٍ، وكثيرٌ من الأزمات العالمية في وقتنا الحاضر يحرك مياهها الراكدة حجر الإعلام على اختلاف توجهاته الفكرية والسياسية والانتمائية، وليس ببعيد عنَّا الحروب الحالية التي تتخَّطف أرواح الناس وقلوبهم، وتستنزف مقدَّرات التنمية والبُنية التحتية في مشارق الأرض ومغاربها أو تبني من كنتونات هُلامية إلى إمبراطوريات أشباح ؛ وبذلك يولي العديد من أصحاب النفوذ أكان على المستوى المؤسسي أو الحزبي أو الشخصي بالغ اهتمامهم لاستقطاب هذا المتغير ليكون رافدا كبيرا لتحقيق المكاسب المنشودة.

وتمثل الفلسفة الإعلامية لأي أمة منطلقا لتحقيق الأمن السياسي والانسجام المجتمعي، وتُستمدُّ الفلسفة السويَّة من حاجات الناس وأهدافهم ورغباتهم المشروعة وفقا للدستور والقانون، فالحياة المدنيَّة قوامها الطَّيف المجتمعي، وسلوكها القويم يُبنى على تلمُّس الإعلام لحاجات الفقراء والمُعدمين والبُسطاء، والحفاظ على التوزان المجتمعي على اختلاف المستوى المعيشي والحياتي والثقافي للمواطنين، والسعي للحماية الوجودية للطبقة الوسطى من أجل تحقُّق الضمان الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وعدم الانزلاق إلى مستنقعات هزّ الثقة وتبادل الاتهامات ونشر ثقافة الاستغلال والتنمَّر المؤسسي على المواطنين، فالإعلام هو صوت الدولة للناس، وفلسفتها وسلوكها وقناعتها بما تقوم به تجاه الأمة وأبنائها، وهو كذلك في حالة- النزاهة والاستقلالية المهنية- انعكاس لآلام وآمال الناس للدولة ومؤسساتها، وترجمة لحالات التأييد والرفض، كما أنه انعكاس لمؤشرات التنمية المستدامة، وممارسة لاتجاهات السلطة المستقبلية أكانت قصيرة أم طويلة المدى، وهو لوحة فنية تشي للمتذوّقين عن مستقبل الوطن وآماله.

وأمام ما تقدم؛ فإنِّه من الإجحاف أن يتبنى الإعلام في أي أمة كانت سياسة إنكار الحقائق، وطمس الواقع، والركوب على موجة تحقيق مآرب سمجة تنسف جهود مؤسسات الدولة، أو تُخفي قصورها وتخلُّفها، وتسعى إلى سرقة لقمة الفقير، وتصوير غضب وإحباط الناس وكأنه واقع أفلاطوني مثالي، والتَّستر على ما يُعيق مسارات التنمية المستدامة من التعليم، والصحة، والثقافة، والاقتصاد، والأمن وغيرها، وتهميش العُلماء والمثقفين والأدباء والكُتَّاب والمُجيدين والمُخترعين والنَّوابغ من أبناء الأمة على حساب من لا يستحق تعظيم مقامه.

فالإعلام هو همزة الوصل الدقيقة بين الدولة والمواطنين في أي أمة، وهو شعرة معاوية التي قد تقصم ذات يوم ظهر البعير إذا ما انطلقت من رؤية واضحة وأهداف واقعية، ومن فلسفة تواءم بين مسؤوليات مؤسسات الدولة والمتلقين لما يفرزه هذا المكوِّن الاستراتيجي على اختلاف مجالاته وأنواعه، وما إن حاد عن جادة الصواب خرج من رسالته المقدسة إلى ممارسة نماذج متباينة من الاجحاف الإعلامي الذي ينعكس سلبًا على حياة الطرفين.