خلفان الطوقي
نشرت صحيفة إلكترونية تدعى "المونيتور" وتتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرًا لها، خبرًا يتحدث عن أنَّ سلطنة عُمان تنوي تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد في عام 2023، وألمح الخبر إلى أنَّ الضريبة سوف تشمل العمانيين ممن تزيد دخولهم السنوية عن مليون دولار أمريكي بنسبة 5%، والمقيمين ممن تزيد دخولهم عن 100 ألف دولار أمريكي سنويا وبنسبة تتراوح ما بين 5 إلى 9%.
وإذا ما طُبّقت هذه الضريبة ستكون عمان الدولة الخليجة الوحيدة التي تطبقها، كما إن هذه الضريبة- إن طُبقت- سوف تكون أحدث الإجراءات المتخذة بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية، ورفع ضريبة الدخل على الشركات من 12 إلى 15%، ورفع الدعم عن الماء والكهرباء والمشتقات النفطية، ورفع الكثير من رسوم الخدمات الحكومية.
وهنا أودُ أن أسلط الضوء على أبرز السيناريوهات والآثار السلبية المتوقعة في حالة إقرار مشروع ضريبة الدخل على الأفراد؛ إذ لكل مبادرة أو قرار أو تشريع حكومي مزايا وعيوب نسبةً وتناسبًا، فإن كانت المزايا أكثر بكثير من الآثار السلبية، فإن ذلك سوف يؤثر على الدولة والقطاعات الإنتاجية والمجتمع والأفراد، وإن كان القرار عكس ذلك، فإن ذلك سوف يؤثر سلبًا على جميع أطراف المنظومة وقطاعات الدولة المختلفة وصولًا بالحلقة الأضعف وهو المواطن، لذلك من الواجب الوطني تبادل وجهات النظر والنقاش البناء دون شخصنة أو تشنج، وهذه الضريبة إن تمَّ إقرارها وتمريرها، فهي مؤثرة على الجميع، واحتمالية آثارها السلبية أكثر من الإيجابية، وهذه أهم الأسباب لهذا الطرح:
- التوقيت: على صناع القرار والمُشرّعين أن يسألوا أنفسهم هل توقيت إقرار هذه الضريبة مناسبًا، خاصة وأن آثار جائحة كوفيد-19 ما زالت مستمرة وعالقة، وكما هو معروف أن عودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها سيستغرق الكثير من الوقت يمتدد إلى أعوام عديدة، لا سيما مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية على الخط، والذي أثر على النمو الاقتصادي على مستوى العالم، ولا أحد يستطيع معرفة عواقب هذه الحرب إن استمرت طويلا.
- التنافسية: أعلنت حكومتنا الرشيدة في كل خططها التنموية ورؤاها الوطنية أنها تسعى إلى المنافسة في التجارة والتصنيع والتصدير، فهل استحداث ضريبة حساسة مثل ضريبة الدخل على الأفراد سوف يجعل السلطنة وجهة جاذبة لأحد؛ سواء الاستثمار أو الإقامة؟ والسؤال العميق: كيف ستجعل هذه الضريبة عُمان بلدًا تنافسيًا في الميدان؟
- السمعة: ما الرسالة التي قد تصل إلى العالم؟ حيث إن السلطنة ستكون الأولى في فرض هذه الضريبة (إذا طبقتها)، وذلك بدلا من إرسال رسالة مغايرة أننا استطعنا جذب استثمارات عالمية عملاقة في مجالات غير النشاطات النفطية، واستطعنا بناء شراكات تجارية استراتيجية مع دول في مجالات الطاقة المتجددة، واستطعنا إعادة التموضع عالميًا بعد جائحة كوفيد ووضعها في المراتب العليا في جذب الاستثمارات العالمية، وتمكننا من استقطاب المستثمرين وأصحاب الكفاءات والمفكرين أضعاف السنة الماضية بنسبة كذا وكذا، فأيهما الرسالة التي علينا أن نفتخر بها.
- العامل النفسي: يا ترى كيف سوف تكون ردات الفعل من الآن إلى يوم إقرار الضريبة على رجال الأعمال المحليين والمقيمين عندما يعلمون أنه- إضافة إلى الضرائب السابقة- هناك ضريبة تمسهم في حساباتهم البنكية الشخصية، فهل تتوقع الحكومة أن ردة الفعل ستكون مرحبة بهذه الخطوة، أم أنهم سيعتبرون ذلك استهدافًا شخصيًا والقشة التي سوف تقصم ظهورهم، ولابُد لهم من أن يستعدوا لما هو أصعب، بعد الصعاب التي ألمت بهم منذ بداية تذبذب أسعار النفط منذ 2014، وما أعقبها من أحداث ووصولا إلى مستجدات الحرب الروسية الأوكرانية
- الاستثمار الخارجي: هل هذه الخطوة المحتملة تتسق مع توجه الحكومة في رفع معدلات الاستثمارات الأجنبية إلى السلطنة أم العكس؟ وهل تتوقع الحكومة أن هناك من سيأتي إليها بعد هذا القرار؟ وهل سوف يفضلون الدول المحيطة ذات الأسواق الكبيرة والكثافة السكانية العالية والفرص المتنوعة أم القدوم إلى سوق صغير مضافًا إليها ضرائب مستحدثة مثل ضريبة الدخل على الأفراد وضرائب أخرى ودون دعم من الحكومة على الماء والكهرباء والمشتقات النفطية، علمًا بأن المستثمر الأجنبي جاء من بلده الأم بسبب الضريبة على دخله الشخصي.
- الدعوة للتحايل والتهرب: على الحكومة أن تعي أن استحداث هذه الضريبة سيدعو أصحاب الدخول العالية إلى المقاومة، فليس من المعقول أن يقفوا مكتوفي الأيادي، فهي دعوة صريحة لأن يحولوا مدخراتهم لبنوك دولية أو أسواق خارجية، خاصة وأن التهرب أو التحايل أو خيارات نقل الاستثمارات والمدخرات أصبحت سهلة من خلال زر الهاتف أو الحاسوب أو من خلال مكالمة هاتفية سريعة، مما سيسبب ضررًا يؤثر بالسلب على السيولة المالية والبنوك المحلية الآن ومستقبلًا، ويكسب غيرنا بسبب قرارات التضييق والتراكمات الضريبية، بدلًا من التحفيز والتسهيل في هذا الوقت العصيب.
- الكثافة المستهدفة: معلوم لنا جميعًا أن السوق العماني صغير، والفئة المستهدفة من هذه الضريبة المحتملة بسيطة جدًا، فهل هناك جدوى من هذا القرار؟ وماذا استخلصت دراسة الجدوى- إن وجدت- وهل تتوقع الحكومة أنها سوف تصل إلى هذه الأموال بسهولة ويسر دون مقاومة أو تهرب أو تحايل أو هروب ما تبقى من أموال منذ الإعلان الأول عن هذه النية منذ عام 2020؟ وهل هناك جدوى من الحصول على "بيسات" بسيطة بصعوبة وغير مضمونة مقابل هروب "ريالات" كثيرة يمكن الاحتفاظ بها الآن في السوق المحلي أو جذبها على المدى المتوسط والطويل؟
- تناقض التوجهات الحكومية: التوجهات الحالية تشجع على إقامة المستثمر الأجنبي، ومنحت حسبما أعلنت في الأيام القليلة الماضية حوالي 270 شخصية ومنحهم إقامة طويلة لمدة 5 إلى 10 أعوام، وقُدمت لهم بعض المزايا، وهنا يتم استهدافهم بشكل مباشر من خلال هذه الضريبة، فهل هذه الضريبة تتسق أو تناقض وتنسف ما يتم إقراره من جهة حكومية أخرى.
- الجاهزية: التسارع في فرض الضرائب السابقة يمكن أن يساهم في تشتيت التركيز ويُؤثر على جاهزية الأنظمة الضريبية، فكان من الأجدى التركيز على ما هو قائم وحوكمته وهيكلته ليأتي بنتائج مثمرة.
- التنمر: هناك من أشاد بهذه الخطوة، وشبه أصحاب الدخول الكبرى بأنهم نهبوا واستغلوا نفوذهم لمصلحتهم الخاصة، ونتيجة ذلك سوف تتعالى أصوات التنمر ضدهم، مما سوف يخلق أجواءً غير صحية في بلد يتصف بالتعايش السلمي بين جميع مكوناته.
- تغيُّر الأولويات: ليس دفاعًا عن أحد، لكنَّ كثيرًا من رجال الأعمال وأصحاب الدخول الكبيرة يؤدون صدقاتهم وزكواتهم للجمعيات والفرق الخيرية الرسمية والأفراد المحتاجين، وهذه الخطوة سوف تؤدي إلى تغيير أولوياتهم، وقد تؤدي هذه الضريبة إلى إخفاء مدخراتهم وتهريبها بشكل أو آخر، مما سوف يؤثر على المستحقين من الفئات المجتمعية المحتاجة، خاصة إذا علمنا أن الفئة المستهدفة من رجال الأعمال يدفعون ضرائبهم من خلال مؤسساتهم التجارية التي يمثلونها من خلال ضريبة الدخل على الشركات بشكل مباشر، إضافة إلى الفوائد غير المباشرة من رسوم الخدمات الحكومية والتوظيف والتدريب وتنشيط الدورة الاقتصادية وغيرها الكثير..
وفي الختام، هذا المقال يدعو الحكومة إلى وضع النقاط أعلاه في الاعتبار وإلى التأني والنقاش البنّاء والتفكير من كافة الزوايا، ودراسة الآثار من جميع النواحي، وعدم تبني كل ما يصدر من مؤسسات استشارية، حتى وإن كانت دولية، فليس كل مكتوب يناسبنا، فاقتصادنا مختلف، وقوتنا الشرائية مختلفة، ومكوناتنا الاجتماعية مختلفة، وكل ظروفنا ومعطياتنا مختلفة تمامًا، وأدعو إلى استعراض هذه النقاط في وزارة الاقتصاد والبنك المركزي العماني وغرفة تجارة وصناعة عُمان والمتخصصين في المجتمع قبل انتقالها إلى مسارها التشريعي، فأهل مكة أدرى بشعابها.