إعادة هيكلة النظام العالمي

 

فوزي عمار

 

العالم اليوم بين خيارين إما تشكيل نظام عالمي جديد أو إعادة هيكلة النظام الحالي، ولا شك أن الخلاف بلغ مُنتهاه بعد الحرب على أوكرانيا وهي حرب بلا أفق ولا أعتقد أن يحقق فيها طرف النصر على الآخر، لكن مما لاشك فيه أن العالم لن يعود مثل ما قبل هذه الحرب.

فالكبار الخمس في مجلس الأمن مختلفون في كل شيء إلا في بقائهم حملة الفيتو داخل هذا المجلس الذي لن يكون فاعلا مالم تحل هذه المعضلة. فهي ورطة أشبه بلعبة "Cash- 22" في رواية جوزيف هيلير الشهيرة التي صدرت عام 1961. الورطة التي دخلها الكبار هذه المرة وليس الصغار . فروسيا الدولة العظمي التي تملك النووي وعضو في مجلس الأمن تدخل حربا على أوكرانيا وهي المدعومة من أمريكا وبريطانيا وأوروبا. فهذه الحرب يقودها الكبار وهي في قلب أوروبا وليس في الأطراف وبين الدول الصغيرة.

بريطانيا والغرب لجآ لمحاصرة أموال المستثمرين الروس الخواص على أرضها وهي عملية أشبه بالتأميم الذي قاده عبد الناصر والقذافي في مرحلة ما. فماذا سيكون رد القضاء البريطاني المعروف بالنزاهة والاستقلالية يا تُرى؟ كما إن طرح روسيا بيع نفطها بالروبل هو ضربة للدولار تكاد تكون توازي إعلان روسيا استعدادها لاستعمال السلاح النووي في هذه الحرب.

لقد دخل العالم في حرب اقتصادية عالمية (من وجهة نظري) أعتقد أن الهند هي التي ستفصل في هذا النزاع الاقتصادي Game changer بعد أن صرحت مؤخرًا أنها سوف تتعامل بالروبل بدل الدولار، مما يعني اتساع الكتلة والتي ستضم الصين وروسيا والهند ودول أخرى في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وهي دول Brics وهذا يعني أن تلتي سكان العالم سوف يتخلون عن الدولار.

يبقى السؤال الموضوعي هل فعلا الصين سوف تتخلى عن الدولار وهي أكبر مالك للدولار في العالم بعد أمريكا بقرابة 5 ترليونات دولار (1.3 ترليون سندات الخزانة الأمريكية مع مخزون كاش من الدولار في حدود 3.7 ترليون دولار)؟

لقد أصبح واضحا أن العالم بعد هذه الحرب وقبلها جائحة كورونا وأزمة سلسة الإمدادات سوف يتخلى عن النظام العولمي إلى نظام إقليمي. وهذا يتطلب تكتلات إقليمة متجانسة وفاعلة من حيث الاستجابة للمخاطر وسرعة الإمداد للغذاء والدواء وهروبا من المقاطعة والمصادرة والتأميم.

ما يهمني عربياً كيف ستتصرف الدول العربية هذه المرة؟

لا شك أن الظرف التاريخي ملائم لنا كعرب أيضًا لإعادة هيكلة وضعنا الاقتصادي والأمني وبما يتماشى مع مكامن القوة ورغبة شعوبنا في الاستقلال بالقرار السياسي وتوفير الأمن الغذائي والمائي ولعب دور عالمي متوازن لا يدعم طرفا ضد طرف إلا وفق مصلحة شعوبنا وقضايانا.

فالسودان هي سلة الغذاء المهملة التي آن الأوان للاهتمام بها. واكتشفات الغاز في مصر ستضيف للغاز العربي في قطر والجزائر وليبيا قوة كما هو النفط في السعودية والإمارات والعراق والذي سيُوفر ارتفاعه استدامة مالية ستراكم الثروة إذا ما تمَّ استغلالها على أكمل وجه. فهل يفعلها العرب هذه المرة أم هي فرصة ضائعة مثل عديد الفرص السابقة؟