اليمن يشقى بنعيمه

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

حجم الثروات الطبيعية باليمن لا يحتاج إلى تحليل أو حصر بقدر ما يحتاج إلى عين مُبصرة فقط؛ كونها ثروات سطحية تُرى بالعين المجردة، فاليمن بلد مثالي للغاية تتناغم فيه الجغرافيا مع التاريخ والسكان، فالمساحة المُقدرة بـ555 ألف كيلومتر مربع وعدد سكان 33 مليون نسمة، هي أرقام مثالية في معايير التنمية الدولية.

ولا أبيح سرًا هنا حين أقول إن من أسباب سعي الغرب لتدمير كل من العراق والجزائر فيما مضى هو التناغم الكبير ما بين المساحة والثروة البشرية والموارد الطبيعية، ويأتي تفوق اليمن على العراق والجزائر في الموقع الاستراتيجي الذي يؤهله للقيام بدور عُقدة المواصلات البحرية والجوية بين قارات العالم آسيا وأفريقيا وأوروبا؛ حيث تقدِّر الكثير من التقارير الاقتصادية عوائد اليمن المتوقعة من ميناء عدن فقط في حال تأهيله وإخضاعه لمعايير المنافسة العالمية إلى أكثر من 75 مليار دولار سنويًا. ويأتي بعده مباشرة ميناء الحُديْدة على البحر الأحمر بعوائد تُقدر بـ40 مليار دولار سنويًا، يضاف عليهما ميناءا المُكلّا بمحافظة حضرموت والغيضة بمحافظة المهرة. ويمكن لليمن بموقعه الاستراتيجي المثالي القيام بدور لوجستي جوي حيوي ومهم بين القارات الثلاث عبر مطاري صنعاء وعدن.

واذا عدنا إلى الموارد الطبيعية فاليمن بلد غني بالنفط والغاز والذهب؛ حيث يتوفر الذهب السطحي (قليل الكُلفة) بكميات كبيرة في محافظات لحج وأبين وتعز، إضافة إلى المخزون الكبير للمياه العذبة بمحافظة حضرموت والتي يمكن من خلالها تحويل اليمن إلى بلد أمن غذائي وسلة غذاء عربية بامتياز. وحين نعرِّج على ثروة أخرى لليمن والمتمثلة في طول السواحل والتي تبلغ قرابة 2500 كلم؛ حيث تطل 6 محافظات يمنية على ساحل عدن المقابل للمحيط الهندي وبحر العرب، بينما تطل 3 محافظات على ساحل البحر الأحمر. ويوفر هذا الساحل المثالي لليمن ثلاثة موارد رئيسة مهمة وهي: الثروة السمكية وبكميات تجارية كبيرة، والسياحة البحرية، والطاقة الكهربائية النظيفة عبر استغلال تدفق التيارات المائية الهائلة والقادمة من المحيط الهندي والبحر الأحمر والتي تلتقي بمضيق باب المندب لتشكل حالة مثالية للطاقة النظيفة وبكميات كبيرة يمكن لليمن تصدير فائض كبير منها.

أما الثروة السياحية فيمكننا القول إن اليمن موطن سياحة مثالي، سياحة بهويات متعددة أبرزها السياحة التاريخية والتي يتهافت عليها العالم اليوم وبشكل جنوني؛ حيث يتوفر لليمن معالم تاريخية نادرة في المعمار خاصة وآثار لا تُحصى لمراحل تاريخية إنسانية مهمة، يضاف عليها السياحة العلمية؛ حيث يتوفر لليمن تضاريس جغرافية مهمة (من جبال وأودية وسهول وغطاء نباتي) لعلماء وطلاب علم الأرض وعلم الإنسان، يضاف عليها الطقس المثالي باليمن طوال العام بمختلف المحافظات اليمنية.

وأهم ثروة لليمن على الإطلاق هي العنصر البشري الخلاق والأصيل والمبدع والمضياف، وهذه الثروة التي مكنت اليمن عبر التاريخ من الصمود ومقاومة كل الأسباب المضادة لحياة الوطن والإنسان اليمني من غزوات وحروب وكوارث طبيعية لتنتصر بعد كل ملحمة. ولا أبالغ إذا قلت إن اليمن أفضل بلد عربي في التنمية البشرية رغم كل مظاهر الفقر والتخلف المفروضة على اليمن ورغم الصور النمطية السلبية المسكوبة قسرًا في عقول من لا يعرف اليمن ولا يُعمل عقله وما أكثرهم، فاليمن وعبر تاريخه الملكي والإمامي والجمهوري من أكثر الأقطار العربية تصديرًا لأبنائه لطلب العلم والمعرفة وفي كافة بقاع الأرض، وبدون تحفظ على الابتعاث لهذا البلد أو ذاك. لهذا تجد في اليمن مخرجات تعليمية عليا متخصصة من جميع المدارس العالمية من مشارق الأرض ومغاربها؛ حيث وظّف اليمن المنح وفرص الاتفاقيات الثنائية بينه وبين أقطار العالم والمنظمات الدولية توظيفًا مثاليًا لتنمية موارده البشرية والارتقاء بها بالمجان لهذا تجد العنصر اليمني في جميع بقاع الأرض.

ومن الثروات اليمنية التي قد لا تبدو مرئية هي المغتربين؛ حيث يتواجد الملايين من اليمنيين في جميع قارات العالم، ويمارسون مختلف الوظائف والأعمال، وبهذا توفر لليمن الظفر بتحويلات مالية ضخمة سنويًا لأغلب هؤلاء المغتربين وبالعملات الصعبة، إضافة إلى تعدد خبرات هؤلاء المغتربين في جميع المجالات وتوفر السيولة المالية الاستثمارية الكبيرة للكثير منهم والتي يمكن توظيفها في بلادهم في حال استقراره وتوفر التشريعات الضامنة لرأس المال. باختصار شديد يمكن لليمن العيش بثروة واحدة فقط من كل هذه الثروات!!

قبل اللقاء.. اليمن ليس بلدًا فقيرًا؛ بل بلد تمَّ إفقاره بإرادة إقليمية ودولية، واليمني بطبعه خُلق ليصنع الحياة، فهو من أخبر البشر في نسج المنحة من المحنة وصناعة الحياة من رحم الموت.

وبالشكر تدوم النعم.

الأكثر قراءة