المسؤول ووسائل الإعلام

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

تمثل وسائل الإعلام سواء كانت هذه الوسائل رسمية أو خاصة، تقليدية أو إلكترونية، أو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، تمثل أحد أهم العناصر الضرورية في مسيرة التنمية في أي بلد من البلدان، وتلعب في الوقت ذاته دورا محوريا هاما في تحديد توجهات المجتمع، وإبراز إنجازات مؤسساته المختلفة، ونافذة مهمة في توطيد العلاقة بين المسؤول والمجتمع إذا أُحسن التعامل معها وتوظيفها، وعكس ذلك إذا كان التعامل معها دون مستوى الطموح المجتمعي، أو دون مقتضى وواقع الحال، ودون مراعاة لطبيعة المجتمع ونخبه المختلفة.

وكما أن على الوسائل الإعلامية واجبًا وأخلاقًا مهنية؛ تحتم عليها البحث عن الحقيقة ونقلها بصورتها كاملة للجمهور، فإن على المسؤول كذلك واجبا ليكون ناقلا حقيقيا لمؤسسته، ومتحدثا واقعيا باسمها، مستجيبا لكل طرح وحديث إعلامي تفرضه عليه طبيعة العمل، والمسؤولية.

ومن المسلّمات التي لا مناص منها، أن المسؤول يجب أن تكون قنوات التواصل بينه وبين الإعلام مفتوحة، ودائمة، خاصة ذلك المسؤول المعني بخدمة المجتمع، والذي تتطلب مسؤولياته استمرار التواصل، واللقاء الدائم، والحديث المستمر سواء عما تحقق من إنجازات، أو ما لم يتم، والتحديات التي حالت دون الإنجاز، أو أن يكون الإنجاز دون المتوقع.

وحقيقة الأمر أن التواصل بين المسؤول ومختلف وسائل الإعلام ضرورة من ضرورات العمل المجتمعي، وهذا يتطلب مهارات وقدرات من المسؤول حتى لا يثير حفيظة الناس، وهو ما نراه بين فينة وأخرى من البعض ممن لا يدركون طبيعة العمل الإعلامي ودوره، أو لا يحسنون التعامل مع وسائله، أو لا يستعدون الاستعداد الأمثل لأي تواصل مع وسائل الإعلام المختلفة؛ خاصة التواصل المباشر.

وهنا يجب على المسؤول عنده تعامله الإعلامي أن تكون لديه مهارات التحاور الجيد من خلال حسن الإنصات ومعرفة تفاصيل الأسئلة تمهيدا للرد عليها وفقا لمحاورها ومحدداتها، والقدرة على الإقناع وأفضل وسائل الإقناع معرفته التامة بكل مسؤولياته، ومهام عمله، وطبيعة مؤسسته، ومن ثم أن تكون لغة الأرقام حاضرة لديه بقوة، مبتعدا عن ألفاظ الشك والتخمين، ذلك أن لغة الأرقام لا تستقيم مع عدم التأكد من صحتها، أو التقريب في ذكرها، فهو ليس في درس حسابي؛ وإنما في حوار يتطلب دقة في الرقم المعطى، ووضوحا في المنجز المتحقق، وشفافية في التحديات، وقدرة على تجاوزها وفق خطط مدروسة معلومة.

وعلى المسؤول أن يتوقع الأسئلة التي يمكن الحديث عنها من خلال محاور اللقاء وأسبابه، مبتعدًا تمامًا عن الردود المكتوبة التي من شأنها حصره في خانة ضيقة لا يستطيع الانفلات منها، أسيرًا لإجابات معدة سلفًا، في كثير من الأحيان تختلف عن مسار الحديث، مما يظهر ضعفا أو عدم قدرة؛ عندها يتمنى لو لم يحدث ذلك اللقاء.

ومما يجب على المسؤول معرفة طبيعة الشخص المحاور له إن كان فردا أو جماعة، وهذا أمر مهم، فكلما كان الإعلامي متمكنا من أسئلته، دقيقا فيها، يتعمق في تفاصيلها، يبحث عن كلمة وإجابة ذات معنى ومغزى؛ كلما تطلب من المسؤول حسن الاستعداد، والاجتهاد لتكون ردوده واضحة مقنعة، فكم من لقاء طغى فيه المضيف على الضيف حضورا ونقاشا، والأصل أن يكون العكس، وأن تظهر للمتابعين قدرات الضيف وممكناته الشخصية والمعرفية.

وعلى المسؤول كذلك مراعاة حسن اختيار الردود والكلمات، مبتعدا عما يثير حفيظة الجمهور، أو أن يعد بما لا يملك تحقيقه، أو أن يتحدث عن مسؤول أخر، أو مؤسسة أخرى، وهذا يأتي من اعتقاد المسؤول أنه لقاء عابر، يأخذ وقته وينتهي، وهذا ليس صحيحا فالناس دائما ترسخ في ذاكرتها تصريحات المسؤولين، خاصة عند الوعد بأمر معين يلامس حياتهم، أو التعبير بألفاظ لا يرونها مناسبة، وفيها خروج عن المألوف، وتجاوز لواقع الحال.

وعلى المسؤول أن يعلم طبيعة اللقاء وهدفه، ويعكس ذلك من خلال حضوره وسمته، وجلوسه، وتعابير وجهه، وحركة يديه، وإيماءاته، فاللقاء الرسمي له طبيعة ولوازم، واللقاء الودي الاجتماعي له طبيعة ولوازم، ولقاءات الظروف الطارئة لها طبيعة ولوازم، ولكل منها أدواته وممكناته التي لا بد منها، وضرورة الحرص عليها؛ حتى في اختيار طريقة الظهور والجلوس.

وليعلم المسؤول أنه مُسخّر ومُكلّف وفقا للتوجيهات السامية، والقوانين النافذة لخدمة أبناء المجتمع، وهذا يتطلب منه مهارة فائقة في ردوده، وحرصا مستمرا على تقديم خدماته، ولا يظهر في ذلك منّا أو تفضلا، وإنما هو الواجب اللازم، والأمانة التي تحمّل تبعاتها، والإخلاص الذي لا بد منه ضمانا لحفظ الحقوق، وتحقيق الأهداف الخدمية للمجتمع.

وليعلم كل مسؤول أن التواصل المستمر مع الوسائل الإعلامية، ليس من باب الرفاه الاجتماعي، وليس من باب مضيعة الوقت، فيكتفي هذا المسؤول، ببيان عابر، ورد مكتوب؛ يزيد الأمر تعقيدا، ويثير أسئلة لا جواب لها، وعندها لا مجال لإقناع المجتمع، وأن التواصل باب رائع من أبواب سد الذرائع، وتضييقٌ للخناق على الإشاعات التي كلما احتجب المسؤول زادت فأوغلت الصدور، ووسعت الهوة، وأخيرا فالثقة والأمانة مناص كل خير، وسبيل كل تعامل راقٍ، هدفه المجتمع، وحسن تطبيق الحوكمة، وسبيله تحاور منهجي منطقي بين مسؤول ووسيلة إعلامية عبر إعلامي ألمعي.

حفظ الله تعالى عماننا الغالية، وسلطاننا المعظم، وشعبنا الكريم.