عيسى الغساني
الحقوق تنظمها قوانين، ويؤكل تطبيقها في كل مؤسسة سواء عامة أو خاصة ربحية أو غير ربحية إلى أشخاص في الجهة التي يناط بها تفسير النص القانوني وبيان وتأكيد هل اكتملت شروط الحصول على الحق، سواء حقا وظيفيا أو ماليا أو غيره من الحقوق، ومن ثم يصدر قرار ينشئ الحق أو ينكره أو يؤجله.
وهنا تأتي أهم عناصر الحق وهي الضمير المجرد من المؤثرات الخارجية بحيث يكون القرار صادقا معبرا عن إرادة المشرع، وصدق القرار يقتضي أن يصل الحق إلى من يستحقه في الوقت الصحيح ويكون كاملا غير منقوص. وضمان النزاهة والمصداقية، أن تكون قواعد الأخلاق والعدالة هي المحرك والدافع لكل تصرف أو قرار، ولتحقيق ذلك، يجب تحرير العقل والضمير المؤكل إليه نقل الحق إلى مستحقه من أمرين جوهريين أولهما: تحرير الضمير من الخوف، وثانيهما: تحرير الضمير من المُحاباة.
الركن الأول: تحرير الضمير من الخوف. لكي يتحرر الإنسان من الخوف من رئيسه الأعلى أو مرؤوسيه أو نظرائه في بيئة العمل، يقتضي الواقع الفعلي والقانوني أن تستمد الحقوق بكل أنواعها من القانون بمقتضى نص صريح، وعلى سبيل المثال لا الحصر يحدد القانون شروط الترقي الوظيفي وعند تحققها تنفذ بقوة القانون وتكون الجهة المنفذة للحقوق خارج سياق المنظمة وليست جزءًا منها. بمعنى آخر، يجب أن يكون اكتساب الحق واضحاً وصريحًا، وليس بحاجة إلى تفسير، وهنا يجب إصلاح النَّص عند عدم وضوحه.
وبذلك نُحرر الضمير من الخوف على حقوقه من الضياع، ويؤدي ذلك إلى عدم الخضوع لأي إغراء أو تهديد بضياع الحقوق. وهنا تتوفر أهم عناصر الشجاعة الأدبية لإيقاف جنوح السلطة أو تعطيل أو مخالفة القانون بأيِّ صورة كانت بحيث يستطيع الموظف أو العامل أو المستخدم ليس الحصول على حقه فحسب؛ بل يتحرر ضميره ووجدانه من الخوف وذلك بدافع حماية النظام والمصلحة العامة، يستطيع الوقوف أمام كل سلوك يُخالف القانون ويُعطل المصلحة العامة، والأبعد من ذلك يحظى بالحماية القانونية لحماية المشروعية وحكم القانون بحيث يقع عليه التزام قانوني بالإبلاغ عن كل مخالفة أو انتهاك أو تعطيل للقانون، وبذلك يتحقق الأمن القانوني، وبذلك تستقر قواعد العدالة ويتحقق الولاء للمؤسسة ولقيم المجتمع والدولة.
الركن الثاني: تحرير الضمير من المحاباة.. المحاباة لها صور شتى وأبسط تعريف لها هي منح الحق لمن لا يستحق، وأخذه ممن يستحق، وضرر المحاباة جسيم على المجتمع والدولة؛ إذ يقدم من لا يستطيع إحداث التغيير والتطور إلى مركز الصدارة، وبذلك يكون مؤخرًا؛ بل ومعطلًا لمسار التنمية الإنسانية والضمير الجمعي المبني على القيم والمُثل العليا. وبذلك يحرم المجتمع من أصحاب القدرات والقيم التي تستطيع تحقيق النمو والتنمية ونقل المجتمع إلى مرحلة التقدم والتجدد.
وضرر آخر جسيم من منطق المحاباة، هو وضع ذوي القدرات المحدودة في موقع القرار، ويدفع المجتمع نتيجة ذلك ضريبة عالية من أخطاء وتجاوزات، ليس ثمنها مكلف ماديا فحسب، بل تشكل خطرا محدقا على البناء الأخلاقي لسلوك الفرد، وتعد مدخلا لقيم السلوك المنحرف إلى الضمير الفردي والجمعي، وتؤسس لقواعد الصراع الاجتماعي السلبي، وتعيد عقل ووجدان الإنسان قرونا إلى الخلف، وهذا هو الحال في الدول التي تتراجع إلى الخلف حيث تشغلها صراعات التنافر الجانيبة عن قضايا الإنسان الرئيسية وهي قضايا التطوير والتحديث والتعاضد.
ولكي نحرر الوجدان والضمير من الخوف والمحاباة يقتضي الحال إحداث مراجعة شاملة ورصد حقيقي لمنتجات الخوف والمحاباة وتأثيرها على الحاضر والمستقبل وتعديل وسن تشريعات تكون حائط صد ضد الخوف والمحاباة وتكفل الأمن النفسي والقانوني لكل فرد في المجتمع.