مدرين المكتومية
لا يُنكر أحد أهمية دور المتحدث الرسمي في الوزارات والهيئات؛ بل وحتى في الشركات الكبرى بالقطاع الخاص، لما له من أدوار ومسؤوليات يتعين عليه القيام بها، وقد تزايد الحديث خلال الفترات الماضية عن أدوار المتحدثين الرسميين الحكوميين، وسط تساؤلات عن غياب الكثير منهم عن وسائل الإعلام، ما يضع علامات استفهام كبرى أمام الهدف من تعيينهم، وما إذا كان الأمر لا يتجاوز مسألة البروباجندا الدعائية!
قد يكون هذا الحكم قاسيًا بعض الشيء، لكن الواقع يدفعنا للتفكير في هذا الاتجاه، ولو أجرينا استطلاعًا لرأي الصحفيين والعاملين في القطاع الإعلامي، الحكومي والخاص، من صحف وإذاعات وقنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية، ربما لن يستطيع أكثر من 3% منهم ذكر أسماء المُتحدثين الرسميين في الوزارات على الأقل، ولن أطالبهم بذكر أسماء المتحدثين في المحافظات أو في الهيئات والمؤسسات الحكومية الأخرى. وظنّي أن هذا الأمر ناتج عن البون الواسع بين هؤلاء المتحدثين والعاملين في الصحافة والإعلام؛ بل وربما نتيجة لعدم إدراك البعض منهم أنَّ المسؤولية المنوطة بهم تفرض عليهم ترسيخ علاقاتهم مع الصحفيين والعاملين في العمل الإعلامي بشكل عام.
من المفارقات العجيبة أننا كصحفيين نملك مصادر نتواصل معهم في جميع الوزارات، بمن فيهم الوزراء ووكلاء الوزارات، لكننا لا نعرف رقم هاتف المتحدث الرسمي باسم الوزارة. قد يقول قائل إنَّ الخطأ يقع على عاتق الصحفي الذي لا يجتهد للوصول إلى المتحدث الرسمي والتواصل معه. لكن الحقيقة أن المتحدث الرسمي لم يسع يومًا للتعريف بنفسه على أقل تقدير.
لا أريدُ أن يتحول المقال إلى سجال وجدال لا طائل منه، حول من المسؤول عن غياب التنسيق والتواصل بين المتحدثين الرسميين والصحفيين، لكن في المقابل أودُ أن أرى تصحيحًا للأوضاع، وأن تكون هناك بادرة حُسن نية من المتحدثين لفتح خطوط تواصل مع الصحفيين.
وثمّة أمر آخر يتعلق بدوائر الإعلام بشكل عام في عدد من الوزارات والهيئات الحكومية؛ حيث نجد أن المتحدث الرسمي لا علاقة له بدائرة الإعلام في بعض الأحيان؛ بل ربما لا يعرفه أحد أصلًا، ففي بيان صادر عن إحدى الوزارات قبل شهر تقريبًا، نُشر عبر وكالة الأنباء العُمانية يقول "صرح ناطق رسمي باسم وزارة......" دون ذكر اسم هذا الناطق، ناهيك عن تحوُّل المسمى من "متحدث رسمي" إلى "ناطق رسمي"!
ما أعلمه علم اليقين أنَّ مجلس الوزراء الموقر أصدر التوجيهات لكل الوزارات والجهات الحكومية، لكي تُعلن عن تعيين متحدث رسمي، يكون همزة وصل بين الوزارة المعنية ووسائل الإعلام والصحفيين، وليس همزة قطع! وكم كان المجتمع ينتظر في كثير من القضايا والنقاشات المستفيضة، أن يخرج عليه متحدث رسمي يحسم الجدل المُحتدم حول مسألة ما أو قضية بعينها.
الواقع يؤكد أن الناس يحتاجون لمن يتحدث إليهم، ويشعر بمشكلاتهم، ويُشاركهم الطموح والأمل في المستقبل المشرق، لكن أن يظل المجتمع يتحدث مع نفسه دون جود شريك حكومي من المسؤولين يُشاطرهم الرأي أو حتى يختلف معهم ويوضح أسباب الاختلاف، فهذا أمر لا يُمكن فهمه.
ونحن معشر الصحفيين نُعاني من غياب المصادر الرسمية للتعليق على الكثير من القضايا المطروحة على الساحة، وبينما كُنا في السابق نستطيع أن نتواصل مع الوزراء ووكلاء الوزارات حتى أوقات متأخرة من المساء، للاستفسار حول موضوعات بعينها، لم نعد نتمكن حتى من تنسيق موعد مقابلة صحفية مع أي وزير، الجميع- تقريبًا- يعتذر أو يتحجج بعدم وجود الوقت الكافي، أو أنه ليس لديه أي جديد للحديث عنه!!
ومن الغرائب التي بتنا نراها في عملنا الصحفي، أن نجد الكثيرين يخلطون بين أدوار المتحدث الرسمي والمسؤولين الآخرين في الوزارة، فمثلًا تقدمتُ بطلبِ إجراء حوار صحفي مع أحد المسؤولين الكبار في إحدى الوزارات، وكان الرد أن "تواصلي مع المتحدث الرسمي"، فأخبرته أنني أريد حوارًا صحفيًا وليس مجرد تصريح عابر على قضية ما، وغالبًا سيكون رد المتحدث دبلوماسيًا فضفاضًا! وهنا يجب أن نوضح أن دور المتحدث الرسمي يتمثل أساسًا في الرد على الشائعات أو تفنيد المعلومات المُضلِّلة، أو التصريح بأمر عاجل، أو إطلاق بيان يومي يخص أعمال الوزارة، لكنه لا يُمكن أن يكون بديلًا عن المسؤول في الجهة الحكومية، ولا يُمكن أن يكون متحدثًا نيابةً عن وزير أو وكيل وزارة أو مدير عام!
لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لأهمية العمل الصحفي والإعلامي القائم على المواجهة والمباشرة بين الصحفي والمسؤول، فمن حق المجتمع أن يرى ويسمع ويقرأ ما يتحدث به المسؤولون، ويتعرف الناس على ردود كل مسؤول حول القضية التي تشغل اهتماماته، وأن يكون على دراية بمختلف المُستجدات التي تقع ضمن نطاق أولوياته كمواطن يؤثر ويتأثر بما يجري في المجتمع من أحداث.
ولذلك على كل مسؤول أن يحرص على الحديث إلى الصحافة والإعلام، وأن يُشارك المجتمع التحديات التي تواجه عمل وزارته أو الهيئة التي ينتمي إليها، كما يشارك الإنجازات، أن يكون المسؤول قريبًا من المواطنين مُستمعًا أمينًا لمشكلاتهم، ساعيًا بكل جهده لحلها، وأن تظل هناك قناة مباشرة بين الإعلام والمؤسسات الحكومية، لكي لا يجد المواطن نفسه فريسة للشائعات والقيل والقال، ومنشورات التواصل الاجتماعي؛ فالوطن يحتاج لجهود كل أبنائه لكي يتقدم ويزدهر.