هل عدم كفاءة أقوالهم مثل أفعالهم؟!

 

د. عبدالله باحجاج

لا تمض فترة زمنية قصيرة إلا ونتفاجأ بتصريح أو تصريحات تُثير الرأي العام، فيها من الاستفزازات ما تشيب الرأس الاجتماعي، وتحيّر الفكر الوطني، وقد جعلتني الاستفزازات الأخيرة، أعنون مقالي بتساؤل العنوان أعلاه؛ لأنني هنا لا أتوقع صناعة الاستفزاز رغم تكراره وتعدده وتنوعه، وإذا كانت تصريحاتهم مثل أفعالهم، فذلك سيكون مشكلة من الوزن الثقيل، ويضعنا أمام تساؤل يستدعي معرفة طبيعة المعايير التي يتم من خلالها اختيار مثل هؤلاء الأشخاص  للمناصب القيادية والإشراقية؟

فمعرفة المعايير ستضع النقاط فوق الحروف، وستُظهر الإجابة على التساؤل واضحة، وسأقدم هنا حالة لا نعممها، وإن كانت كما وردت لي من مصدرها تحمل التعميم، كما لا نتحدث عن عدم الكفاءة الثنائية "الأفعال والأقوال" بصيغة التعميم، وإنما وفق الحالات التي تظهر وتثير الاستفزاز.

وعندما كنت أتفاعل في حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي مع تصريح جديد مستفز للحس الوطني، فإذا بشخصية معنوية رفيعة لا تزال على رأس عملها، تبعث لي برسالة نصية عبر الواتساب يقول فيها حرفيًا "تم تعيين أحد الأشخاص أعرفه في شركة حكومية بمنصب كبير، وما كتبوا عنه في السيرة الذاتية عجب، ولا يمت له بصلة، وكأنه خريج هارفرد وكلية لندن..." وهنا التساؤلات التي ينبغي أن تُطرح:

-    هل كل المناصب القيادية والإشراقية في الشركات الحكومية بالتعيين؟

-    وهل التعيين يُنتج الكفاءة؟

-    لماذا لا تُفتح هذه المناصب للتنافس بين الكفاءات العُمانية؟

تظل تلكم التساؤلات قائمة سواء كان التعيين عامًا أو استثنائيًا؛ لأنَّ التعيين بالسيرة الذاتية لن ينتج الكفاءة، وهذه الأخيرة هي المدخل لنجاح الشركات خاصة والمؤسسات الأخرى عامة، والتعيين مدخل يفتح الباب لمعرفة خلفيات الذين يدلون بتصريحات مستفزة للرأي العام، وتكون دائمًا اللقاءات الإعلامية والصحفية كاشفة للكفاءة القولية على الأقل، لكن ماذا نتوقع من كفاءة ينتجها التعيين بالسيرة الذاتية؟

وهنا نتوصل لقاعدة معيارية حكمية، وهي أن كل من يخفق في مهنته "هنا الفعل" أو تستفز تصريحاته الرأي العام "هنا القول"، فعلينا أن نبحث عن طريقة استحقاقه  للوظيفة القيادية أو الإشراقية، هل بالتعيين أم بالتنافس؟ لن نعطي مثالًا أو ندلل بنماذج للتصريحات المستفزة، فبعضها لا يزال يشغل مواقع التواصل الاجتماعي، والسابقات لا تزال تختزنها الذاكرة الاجتماعية، والشيء نفسه للأفعال، فهناك قرارات وقوانين تثير الرأي العام، وتحطم المكتسبات الاجتماعية، وهي دالة على فاعليها.

وهناك من يعتبرها تصحيحية، لكن في أية مسارات؟ هل تقوية بنيات المجتمع في عصر الجبايات، والمحافظة على روابطه الولائية والانتمائية أم العكس؟ وهنا تظهر قضية الكفاءة، فهي ليست في المؤهلات وإنما في منتجاتها النهائية "فعلا أو قولا" ومدى قدرتها على تحقيق مجموع المصالح في البلاد.

فعندما تكون منتجات المؤهلات تغليب مصالح عامة استراتيجية على حساب مصالح عامة أخرى استراتيجية، وينتج عنه ضرر عام آني على المجتمع أولًا، ومن ثم على المصالح الاستراتيجية التي تؤسس مستقبليًا ثانيًا، فهل يمكننا هنا الحديث عن الكفاءة ليس من حيث المؤهلات، وإنما كذلك من حيث مقوماتها "خبرات- فعالية- وعي بالمآلات.." فكيف إذا ما التقى الاثنان؟ وقد لا يلتقيان، ففي هذه الحالة تثور قضية الكفاءة التي ينقصها الوعي السياسي والاجتماعي رغم توفرها على الكفاءة العلمية، وفي حالات كثيرة، فإنَّ مثل هذه الكفاءات هي والعدم سواء، أو إذا كانت كفاءتها العلمية لافتة، فموقعها أن تكون ضمن منظومة القيادة وليس قائدتها.

وفي حالة أي إخفاق "فعل أو قول" أتساءل عن بقية منظومة الكفاءة، وهى الفردية والجماعية والتنظيمية؟ ونتساءل عن المحاسبة في الوقت المناسب، ونشدد هذا القضية الأخيرة، فهناك قيادات يخونها وعيها في خاطبها للرأي العام، فهي لم تكتفِ بتمرير سياسات وتوجهات وقرارات عامة، وإنما تستفز معها الرأي العام بتصريحات مثيرة، مما يظهر وكأنه مستهدف هذا الاستفزاز، غير أنه بخلاف ذلك، فذلك أصدق تعبير عن عدم كفاءتها القولية إذا ما كانت تتمتع بالكفاءة العملية "مؤهل وخبرات.." لذلك ينبغي أن تكون ضمن القيادة وليس قائدتها.

ومما تقدم أرى أن كل الوظائف القيادية والإشرافية ينبغي أن تُطرح للتنافس وليس التعيينات، وعن طريق السيرة الذاتية، فهذا من حقوق المواطنة، وانتصار لمبدأ المساواة الدستوري، عندئذٍ سنضمن النزاهة والصدقية والمصداقية، ونغلق أبواب المعرفة والمحسوبية، وسنضمن للمناصب القيادية والإشرافية الكفاءة المطلوبة، وهي أي الكفاءة مدخل النجاح، ودونها الفشل في الأفعال والأقوال، وقد لاحظت شخصيًا مسار تدوير الأشخاص بين عضويات اللجان والمناصب، وتعددهم فيها، وكأنهم أصحاب كفاءة حصرية، لم تنتج البلاد غيرهم.