حيدر بن عبدالرضا اللواتي
لا توجد دولة في العالم إلا ويتحدَّث شعبها عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الضرورية منذ أن تفاقمت أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولسنا بعيدين في السلطنة عن هذه القضية التي تناولها معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار مؤخراً؛ حيث أكد أنَّ وزارته والجهات المعنية تعمل على مراقبة عن كثب للمواد والسلع الغذائية في الأسواق، مؤكداً أنه لا توجد هناك أي تخوفات من نقص القمح في الأسواق باعتبار أنَّ هناك كميات كبيرة متوفرة منه في البلاد، وتكفي لشهورعديدة قادمة.
وهذا الأمر يعني ضرورة بقاء الأسعار على حالها دون رفعها لكي لا توثّر على حياة العمانيين، في الوقت الذي نفى فيه معاليه أن تكون هناك نية لدى الشركات المعنية ببيع القمح والمواد برفع الاسعار خلال الأيام المقبلة، ونحن نستقبل أيام شهر رمضان المبارك.
مقابل ذلك نرى أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» أشارت في تقاريرها مؤخراً بأن الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف مرشحة للارتفاع ما بين 8 إلى 20% بسبب الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، حيث تعتبر هاتين الدولتين من الدول التي تنتج القمح بكميات تجارية كبيرة وتصدّرها إلى مختلف دول العالم ومنها دول المنطقة. كما ترى منظمة الفاو أن زيادة الأسعار ستؤدي أيضاً إلى معاناة البشر وزيادة أعداد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في شتى أنحاء العالم.
فهذه الحرب ربما ستجلب الكثير من المتاعب لمعظم الدول العربية، وسوف تترك تأثيرات سلبية في مجال الحصول على القمح بصورة اعتيادية، بجانب تأثيراتها على حركة السياحة خاصة على الدول غير المنتجة للنفط. فأسعار القمح العالمية لم تشهد ارتفاعاً كالذي نراه اليوم منذ عام 2008 بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، في الوقت الذي تتراوح فيه كميات المخزون لدى من القمح مختلفة وكذلك من الاحتياطات الغذائية الأخرى. ومؤخرًا أعلن العديد من الدول العربية عن اتخاذها بعض الإجراءات لضمان تغطية الاسواق المحلية، وتوفير الاستهلاك منها للأشهر المقبلة، بجانب تأكيدها على عدم رفع أسعار الخبز مهما زادت أسعار بقية السلع والمنتجات الأخرى. وهناك دول أخرى جارٍ البحث فيها عن عروض لشركات أجنبية للتعاقد معها على شراء القمح. وفي جميع الحالات فإنها تعمل على اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل توفير مخزونات كافية من القمح بسبب مخاوفها من نقص كميات الأغذية وفشلها في تحقيق الأمن الغذائي لشعوبها.
فالشعوب من جانبها ومع اقتراب شهر رمضان المبارك لا تخفي قلقها وخوفها من حدوث انقطاعات في الحصول على السلع الأساسية للحياة؛ كالزيت والسكر والدقيق والطحين والبيض والأرز وغيرها، في الوقت الذي يتوقعون فيه أن تؤدي أزمة الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى نتائج سلبية كبيرة على اقتصاداتها وتوقف حركة الاستيراد من بعض السلع والمنتجات الضرورية والأساسية للحياة، الأمر الذي من المحتم بأن يؤدي إلى ارتفاع قيمة السلع والنقل والتأمين. فمعظم الدول العربية تستورد ما بين 80 إلى 90% من المواد الغذائية بما فيها القمح من الخارج. وهذا ما يؤدي إلى أن تقوم بعض الجهات المعنية بمداهمة مخازن التجار من أجل مكافحة الاحتكار لتلك المواد، وتكثيف المراقبة والبحث عن المتلاعبين بالأسعار.
إن التقارير التي تَبث للعالم تؤكد أن قيمة الشحنات الخاصة للقمح وبعض المواد الاستهلاكية الأخرى في العقود الآجلة تسجّل زيادة في أسعارها، الأمر الذي يثير مخاوف عالمية لم تشهدها الدول خلال أكثر من عقد مضى. فالحرب الدائرة في أوكرانيا قد تسبب في زيادة أسعار السلع والمواد في العالم ما بين 10% و20%، وهي زيادة جديدة منذ أن تفشى وباء كورونا منذ أكثر من 28 شهراً مضى.
توقعات المراقبين بشأن تعافي الاقتصاد العالمي من وباء كوفيد-19 لم يحالفها النجاح منذ تفجر أزمة غزو أوكرانيا؛ الأمر الذي يؤدي إلى تغيّر القناعات بشأن نمو اقتصادات الدول ومدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بها في ضوء هذه الأزمة الجديدة للحرب، وما يُمكن أن تحدثه من تدهورات في الاقتصادات بسبب التضخم في أسعار السلع الضرورية، وتقلص في دخل الأفراد والأسر والشركات التي تعمل في مجالات الزراعة والتوريد والشحن والنقل والتأمين وغيرها.