"هلا فبراير" في كويت البشائر

 

د. صالح العريمي

احتفلت دولة الكويت الشقيقة بتاريخ 25 فبراير 2022 بالعيد الوطني المجيد، ويُعدّ هذا اليوم يوماً وطنياً بهيّا؛ إذ يرمز إلى استقلال دولة الكويت من الحماية البريطانية، إضافة إلى أنَّه يؤرّخ لجلوس المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح على كرسي الحكم في دولة الكويت، بموجب مرسوم أميري في عام 1965.

وتتنوع مظاهر الاحتفال بهذا اليوم الوطني، حيث تشارك خلاله قوات الجيش الكويتي والحرس الوطني في تقديم العروض العسكرية المميزة، إضافة إلى مشاركة قطاعات مختلفة في هذه الاحتفالات التي تستمر لمدة شهر كامل؛ مما ينمّ عن أنّ لـ"لهلا فبراير" زخم كبير في نفوس أهل الكويت.

كما تشمل هذه الاحتفالات الكثير من الفعاليات والأنشطة المتنوعة من أجل الترفيه والتسلية، مثل الأمسيات الشعرية والمسرحيات والندوات الثقافية والفنون التشكيلية والدورات الرياضية، إضافة إلى المعارض بمختلف أنواعها، وكلُّ هذا بهدف بثّ روح الفرحة والسرور والبهجة في نفوس الكويتيين وغيرهم.

وتشارك دولُ الخليج دولة الكويت احتفالاتها بهذه المناسبة الوطنية، من خلال إقامة الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية، سواء بالتنسيق مع سفارات دولة الكويت في الدول الخليجية، أو عن طريق الجهات المختصة والأهالي في دول مجلس التعاون؛ والمبتغى من ذلك التعبيرُ عن المحبة وروح الترابط بين أبناء الخليج العربي.

تلكم هي الكويت.. التي استقبلت منذ بداية ستينيات القرن الماضي الكثير من مواطني دول مجلس التعاون والدول العربية والإسلامية وغيرهم من الجنسيات المختلفة، للعمل أو الدراسة، كما استقطبت الكويت الكثير من الأساتذة والمفكرين والأطباء والمهندسين وذوي الخبرات من العرب؛ للعمل في جامعاتها ومدارسها وفي القطاعات المختلفة، فكانت بمثابة منطقة جذب اقتصادي خلال تلك الفترة.

وهي الكويت نفسُها.. التي استقبلت مدارسها خلال تلك الفترة الكثير من الطلبة العُمانيين، فنهلوا من العلم والمعرفة بها، على أيادي أساتذة أجلاء أكفاء ومتميزين في مدارسها العريقة في مختلف المجالات المعرفية؛ ويطيب لي أن أستحضر في هذا السياق بعضَ هذه المدارس، لأخصّ بالذكر مدرسة ابن رشد وابن سيناء في العاصمة، ومدرسة ابن ماجد في مدينة الأحمدي التي درستُ بها شخصياً خلال العام الدراسي 1970/ 1971 ثم انتقلت إلى مدرسة في مدينة الشعيبة إبان العام الدراسي 1971/ 1972 وكنت آنذاك أدرس في الصف الثالث.

وقد عاد الكثير من العمانيين الذين درسوا بوطنهم الثاني الكويت إلى وطنهم سلطنة عمان إبان النهضة المباركة، بعد أن أكملوا الدراسة المتوسطة والثانوية خلال تلك فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لينكبوا على العمل في قطاعات مختلفة أبرزها مجال التعليم، حيث عملوا مدرّسين، مسهمين بذلك في النهوض بعملية التربية والتعليم، كما كان لهم تأثير ملموس على مسيرة التنمية والتحديث في السلطنة الحبيبة.

تلكم هي الكويت.. التي قدمت الكثير والكثير من المساعدات والمساهمات المالية والعينية لمختلف الدول، من خلال إسهامها في إقامة المشاريع التنموية في الدول النامية، وأخص بالذكر مجالات التعليم والصحة والنقل والكهرباء والاتصالات والمشاريع الزراعية وغيرها، إضافة إلى تقديمها القروض الميسرة لكثير من دول العالم الثالث وغيرها، وذلك من خلال الصندوق الكويتي للتنمية الذي تأسس سنة 1961. ولا شك أن هذا الدور الكبير الذي قام به هذا الصندوق والعاملون عليه قد أسهم كثيرًا في النهوض والارتقاء بمختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بهذه الدول، من خلال إقامة المشاريع التنموية المختلفة.

كما كانت الكويت الدولة الوحيدة تقريبا التي يُشار إليها بالبنان، في إذكاء روح الديمقراطية وحرية التعبير، ومن خلال معارضة واعية في مجلس الأمة الكويتي الذي كان حقيقة منبراً من منابر الديمقراطية الحرة؛ فكان له الأثر الكبير في رقي الحياة البرلمانية خلال فترة ما قبل الغزو العراقي.

تلكم هي الكويت.. التي لا زلنا جميعاً إلى يومنا هذا نتذكر نخبة من عمالقة الفن والمسرح والتلفزيون والسينما فيها، والذين أسسوا وأسهموا كثيراً في إثراء ورقي الحياة الفنية بالكويت وبالخليج العربي وبالدول العربية، أمثال عبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي وحياة الفهد وغانم الصالح وإبراهيم الصلال ومنصور المنصور وصقر الرشود وغيرهم من فطاحلة الفن الكويتي، الذين كانت أعمالهم الفنية ولا زالت خالدة في ذاكرتنا وقلوبنا، متمثلة في فيلم "بس يا بحر" و"درب الزلج" و"أجلح وأملح" و"حرم سعادة الوزير"  و"انتخبوا أم علي" وغيرها من الأعمال الشيقة الرائقة التي تجمع بين الدراما والتراجيديا والكوميديا الهادفة.

هي الكويت عينها.. التي كانت منارة للإعلام والصحافة؛ فالكل يتذكر بثّها التلفزيوني، ويَحن إلى لونيْه الأسود والأبيض الدّالّين على زمن جميل، تماماً كما عرفت هذه الفترة المتقدمة من منجز الكويت الصحفي ريادة صحف عملاقة، متشعبة الموضوعات التي تتناولها، وحافلة بأقلام الكتاب والمفكرين الذين يحبرون في صفحاتها، فمنها صحيفة الرأي والقبس والأنباء والسياسة، إضافة إلى الجرائد والمجلات الأسبوعية والشهرية، وأخص بالذكر هنا مجلة "العربي" وهي مجلة شهرية مصورة مُهتمة بالكثير من الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تخص القارئ العربي، كما أنها اهتمت كثيرا بقضايا الأمة العربية والإسلامية. وقد تمَّ إنشاء هذه المجلة عام 1958 من لدن وزارة الإعلام الكويتية، وكانت مكاتبها منتشرة بين ربوع العالم العربي بالقاهرة وبيروت ودمشق والرياض، الأمر الذي أهلها لاستقطاب كتاب عرب مرموقين لإغناء مضامينها، وأخص بالذكر منهم طه حسين ونزار قباني ومحمود العقاد ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وفاروق شوشة وجابر عصفور... فكان لهؤلاء الفطالحة في الأدب العربي دور كبير في الارتقاء بها، وانتشارها في أرجاء الوطن العربي.

هذه هي الكويت.. التي انتعشت وارتقت بها الحركة الرياضية منذ العام 1970؛ بل وقبلها، فكانت لأنديتها العريقة مثل القادسية والعربي والكويت وكاظمة ذكرى خالدة في نفوسنا، كما مثلت الكرة الكويتية الكويت ودول الخليج بل والعرب في كثير من المناسبات والفعاليات العالمية، مثل كأس آسيا حيث توّج المنتخب الكويتي في العام 1980 بطلا لآسيا، كما تأهل المنتخب الكويتي سنة 1982 لكأس العالم؛ حيث لا ننسى أبدًا اللاعبين الدوليين المميزين في فترة السبعينيات وبعدها، الذين كان لمساهماتهم الوطنية دور كبير في إحراز  البطولات المختلفة لدولة الكويت، أمثال جاسم بعقوب والعنبري وحمد بو حمد وفيصل الدخيل وفتحي كميل والطرابلسي وغيرهم.

لا ننسى في هذا السياق الجهد الكبير الذي بذله الشيخ الشهيد فهد الأحمد الصباح في تطوير الحركة الرياضية بالكويت، والارتقاء بها إلى العالمية، إضافة إلى إسهاماته الفعَّالة في النهوض بالرياضة الآسيوية خلال ترؤسه للمجلس الأولمبي الآسيوي، وكذلك خلال ترأسه للاتحاد الآسيوي لكرة اليد، وعضويته في اللجنة الأولمبية الدولية.

هذه هي دولة الكويت الشقيقة الصديقة العريقة، متسربلة في عطاءاتها العظيمة، متجملة بإنجازاتها المستديمة. وكلماتي هذه هي غيض من فيض جمالها وكرم حكامها ونبل مواطنيها... فلك كل التهاني يا كويت الأماني، كما أرفع التبريكات لأهلنا في دولة الكويت أميرا وحكومة وشعبا، بمناسبة العيد الوطني المجيد. وتحياتي الخاصة إلى سعادة سفير دولة الكويت في سلطنة عُمان وجميع العاملين بالسفارة.

تعليق عبر الفيس بوك