فائض الميزانية العامة للدولة

 

ناجي بن جمعة البلوشي

اعتمدت سلطنتنا الحبيبة في ميزانيتها للعام الجاري 2022 سعر بيع برميل خام النفط على أساس 50 دولارا أمريكيا وكان تحديد هذا الرقم قياسا على تنبؤات توقعتها العديد من المنظمات المتخصصة رغم اختلافه عن ما حدد سابقاً في خطة التوازن المالي المعتمدة وربما شجع المختصين على تغير ذلك الرقم إلى الرقم الجديد هو توقعات مؤشر سعر السوق في هذا الجانب حيث كانت الدراسات تشير إلى وصول سعر النفط إلى ما يقترب من 70 دولارا، ومع تصاعد الأزمة الأوكرانية الروسية قفز النفط قرب 100 دولار للبرميل.

وإذا تساءلنا هل الصدفة تسببت في هذا السعر الجديد؟

ربما يكون الجواب صحيحا لكني هنا أضع تحليلا مغايرا فأقول إنّ هناك ظروف أخرى غيرت هذه التوقعات وأوصلت السعر إلى ما هو عليه اليوم أو لنقل بفضل "تحديد الزمن المناسب" من قبل القوى العظمى ليكون فرصة ممكنة لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية في مكانين مختلفين من العالم وبظروف حياتية اعتيادية لدولهم وشعوبهم بعيدا عن فصل الشتاء وثلوجه، لذا هيئت لهذه المكاسب كل الظروف المناسبة لإنجاحها ومن المؤكد كانت تهيئتها بعناية دقيقة ليحقق من خلالها الغرب الهدف المرسوم لها وذلك بفرض عقوبات مختلفة على عدو يسبب قلقا مزعجا على أمنها أو حضارتها من خلال إضعافه وتحجيمه ووضعه في قالب السيطرة مع رفع عقوبات مختلفة عن عدو آخر قد سبب قلقاً وإزعاجاً في وقت مضى ووضعه أيضا في قالب السيطرة لأنه الآن ضعيف ومحتاج لرفع العقوبات المفروضة عليه منذ زمن قديم.

لذا كان الوصول للهدف الأسمى منهما يحتاج إلى بعض التنازلات التكتيكية خاصة عندما وضعت احتمالات منع أو شح إمدادات موارد الطاقة لدولهم من قبل العدو الأسمي أو احتمال الارتفاع المفرط في الأسعار، فوضعت هاتين الخطوتين مركبتين ومكملتين لبعضهما البعض ففرض عقوبات في جانب يعني رفع عقوبات من جانب آخر وذلك لتعويض نقص إمدادات موارد الطاقة ولضرب عدوين بحجر واحد في زمن مناسب اعتادت شعوبهم فيه على الغلاء كما لا يستهلكون الطاقة في استعمالاتهم بشكل كبير.

ولأن هذا السيناريو قد بدأ تطبيقه فعليا فربما سيرتفع سعر برميل النفط ليصل إلى ما يقارب  100 دولار أمريكي أو أكثر لكنه لن يستمر طويلا فهو الآن في مرحلة انتقالية ربما ستمتد إلى ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع أو أكثر بقليل وبعدها سيعود إلى الاستقرار من جديد ومن ثم إلى الهبوط وسيساعده في ذلك ظروف أخرى مصاحبة له كزيادة الإنتاج من قبل "أوبك بلس" أو الاختلاف الذي سيطرأ على التعهدات والاتفاق المبرم بين منتجيها والمنظمين إليه في تقنين حجم الإنتاج وذلك لما في السوق من أسعار مغرية، كما يمكن لنا أن نضيف سببا ربما سيكون غير مباشر وهو خارج نطاق المنظمة ذاتها ألا وهو تلك العقوبات التي ستفرض على روسيا لتضطرها إلى التحايل والبيع في السوق السوداء لعملاء في الواقع هم أعداء لها، مثل هذه الظروف ستغير من سعر برميل النفط إلى الأبد خاصة عندما تكون روسيا خارج نطاق منظمة أوبك وخارج قائمة المصدرين المعترف بهم عالميا مما سيتسبب في خفض سعر برميل النفط دون ارتفاع يذكر في المستقبل فما يحدث في الزمن ليس سوى استراتيجيات وتخطيط مستقبلي يوصل كل من اتخذها إلى بلوغ هدفه.

ولأن عماننا الحبيبة ممن تفاءلوا بارتفاع أسعار خام النفط إلى مستويات مغرية فإنِّها وضعت هذه الزيادة من الفوائض المالية في خانة خفض مديونيتها وتقليص العجز المالي المتوقع في هذا العام وأتمنى ألا يتعدى هذا الطموح شيئا آخر يستحدث في هذه الأشهر؛ كالبدء في مشاريع أو توسعات مالية جديدة، وأرى الانتظار إلى أن نصل إلى نهاية خطة التوازن المالي والتقيد بتطبيقها خير لنا من التحسر على ما فات وبعدها يمكن لنا صرف مبالغ هذه الفوائض في خطة جديدة أكثر توسعًا واستثمارًا أو بالإمكان تقليص الفترة الزمنية لخطة التوازن المالي فور الانتهاء من المديونية إذا رأى المختصون ذلك أفضل للوضع الاجتماعي والاقتصادي.