ليبيا وأوكرانيا وسماع طبول الحرب

فوزي عمار

 

يقول الفنان السوري الكبير نهاد قلعي (حسني البرزان) في أحد مسلسلاته القديمة جملة مشهورة وهي: "إذا أردت أن تعرف ما يجري في إيطاليا عليك أن تعرف ما يجري في البرازيل".

استعير هذا المثل وأسقطه على الوضع الراهن في الأزمة الأوكرانية وأقول: "إذا أردت أن تعرف ما يجري في ليبيا عليك أن تعرف ما يجري في أوكرانيا".

تعود قصة الأزمة الأوكرانية إلى وقت تفكك الاتحاد السوفيتي وخروج أوكرانيا مع بعض الدول من منظومة الاتحاد السوفيتي بعد تفككه؛ حيث دخلت أمريكا على الخط ومولت العديد من  جمعيات المجتمع المدني منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وفي انتخابات الرئاسة في أوكرانيا  عام 2014 وصل الرئيس بترو بوروشنكو المُعادي  لروسيا.

على مستوى الديموغرافيا، فإنَّ جزءًا من تركيبة أوكرانيا هي روسية خاصة إقليم دونباس فهو روسي بالكامل، والرئيس الروسي فلاديمير بوتن يرى في أوكرانيا أنها روسية حيث قال في أكثر من مناسبة "إننا شعب واحد". ويعتبر  التغلغل الأمريكي والغربي في أوكرانيا "خطا أحمر"، ولا يمكن قبوله؛ بل يعتبره تهديدًا للأمن القومي الروسي، خاصة وأن أمريكا تسعى لإدخال أوكرانيا إلى حلف الناتو.

روسيا وبعد تحسن أسعار النفط ذهبت بعيداً خاصة بعد التحالف مع الصين في منظومة "الأوراسيا" واتَّجهت إلى إفريقيا؛ حيث تُسيطر على إفريقيا الوسطى كما تتواجد في مالي وليبيا، مما يُمثل بعدًا جيوسياسيًا مُهمًا جدًا داعمًا للسيطرة الصينية الاستثمارية في إفريقيا والتي بلغت استثمارها 500 مليار  دولار حتى الآن.

روسيا اليوم موجودة في ليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى، فهل ستبقى القوات الروسية مكتوفة اليدين إذا بدأت الحرب في أوكرانيا؟!

أكثر المتضررين من هذا التوسع هي أمريكا وبريطانيا؛ وهما قلب قطب حلف شمال الأطلسي "ناتو"، الذي بدأ بالتشكل ليضم أستراليا، خاصة بعد إلغاء صفقة الغواصات النووية مع فرنسا لصالح بريطانيا، إضافة إلى إسرائيل طبعًا.

أوروبا وخاصة فرنسا تخسر من هذا الصراع لأن وصول مجموعة فاغنر الروسية (ميشليا عسكرية) إلى مالي وقرب النيجر التي تستورد منها فرنسا 4000 طن من اليورانيوم لتغطية شبكة الكهرباء الفرنسية والتي 75% منها نووية.

ألمانيا أيضًا التي استثمرت في خط غاز "نورد ستريم 2" مع روسيا أزعجت أمريكا التي ترى في ألمانيا حليفًا وعضوًا في حلف الناتو، لكنها تدعم الاقتصاد الروسي بشراء الغاز منه.

وفي خضم ذلك، ارتفعت أسعار النفط وفي طريقها نحو 100 دولار للبرميل اليوم، ومتوقع أن يصل إلى أكثر من 120 دولارا قريبا وفق توقعات خبراء شبكة بلومبرج، وهذا يُؤثر على المواطن الأمريكي في ظل اقتصاد السوق الحُر الذي ينعكس فورًا على جيب مالك السيارة وفاتورته من  الكهرباء والغاز، مما يؤثر بالتبعية على الانتخابات النصفية في أمريكا وإدارة الرئيس جو بايدن.

وإذا ما حدث تصادم بعد نقل آلاف من جنود روسيا على حدود أوكرانيا مؤخرا، فإن القوات الروسية في إفريقيا- ومنها ليبيا- لن تقف مكتوفة اليدين؛ بل أعتقد أنها ربما ستسعى إلى وقف إمدادات النفط لزيادة ارتفاع أسعاره، مما يصب في مصلحة روسيا وورقة ضغط ضد أمريكا وبريطانيا.

تركيا ترغب في الاستفادة من طرفي النزاع؛ فهي تشتري صواريخ S400 الروسية وتتحالف معها في سوريا، لكن تختلف معها في جبهة أذربيجان، وتركيا جزء من حلف الناتو وقواتها في ليبيا بطلب من أمريكا، لكنها تدعم أوكرانيا مع إسرائيل.

الأخطر تحريك أحد الأطراف لداعش في ليبيا ضد الطرف الآخر سيكون كارثة على ليبيا وشعبها. فكل تلك المُعطيات تقول إن ليبيا في قلب العاصفة من جديد، وساستها وقيادات الصدفة في حالة نوم عميق وهمهم اليومي هو كيف يتشبثون بالكراسي والبعض منهم ينهب المال العام، بدليل اكتشاف سرقة 3 وزراء حتى الآن وهم في السجن، وما زال الحبل على الجرار، في أكبر حكومتي فساد في تاريخ ليبيا؛ حكومة السراج والدبيبة. حكومة الدبيبة التي انتهت صلاحيتها بعد تكليف البرلمان لفتحي باشاغا مؤخرًا بتشكيل حكومة جديدة، باشرت بالاعتراف بها مصر وروسيا حتى الآن.

وفي الختام.. كل المؤشرات تقول إنَّ ليبيا وأزمتها مرتبطة بأوكرانيا وحربها.