جماليات التنوع الفكري

 

فاطمة الحارثية

الحديث عن الماضي يحمل اعتقاد اليوم وخيال الغد؛ بالرغم من أنَّ عدد الأيام التي مررنا عليها، هو ذاته عدد أيام الدول الأخرى سواء من تمَّ تصنيفها بالدول العظمى أو النامية، إلا أن التعصب ومجال الموارد حكم التطور والتباين بين الفئتين.

وعلى استحياء كانت فكرة استقدام العمالة الوافدة كنوع من ردم الفجوة الكبيرة بين بلوغ مصاف العظمى أو التأرجح بين مسمى دولة نامية أو متقدمة لدى بعض الدول. ولا يخفى على أحد الثمن الباهظ الذي تكبدته الدول العظمى لبلوغ ذلك التصنيف، حتى إنَّ البعض كان وما زال يُضحى بدماء أبنائهم من أجل البقاء على القمة، وجدوا مخارج لكل شيء، حتى مخرجات الانحلال الخلقي، الذي تم تحويله إلى قوى تفرض السلطة وتوازن البقاء، وتحافظ على الطبقية المبتكرة والاحتكار الاقتصادي. ورغم تعدادهم السكاني الهائل وأزمة الغذاء، لم تخنع تلك الدول لرادع؛ بل تزداد في التسلح، كلما أتتها الفرصة لذلك، تحول الأزمات إلى استثمار، والمشكلة إلى طريق، والدخيل إلى ساكن وقوة شرائية.

في المُقابل، فرضت الدول الأخرى التي من الدبلوماسية تسميتها بالدول المُجاهدة على نفسها الانغلاق، وبدأت بالتداعي تحت وطأة الأمراض الوراثية واستفادت الدول العظمى منها ببيعها الأدوية والأدوات التي تزيدها فاقة وديونا، أي أنها صنعت العلة واستفادت منها، وجهل القائمين في الدول المُجاهدة مرتكز على الحفاظ على مقعدهم وسلطتهم، في تعتيم تام لسلامة من حولهم بمن في ذلك ذريتهم.

رسم الحدود كان جزءًا قاده الإنسان من أجل القدرة على التركيز، وتصنيف الأمور ليسهل الحكم فيها، والبت في اتساقها على المدى القريب والبعيد، وتشارك من أتاها قديمًا التتابع القبلي والجغرافي ذاته، ومازال يعتمد على ذلك وإن اختلفت المُسميات، وإلى يومنا هذا نرى التكتلات العرقية في كل مكان ولم يختلف شيء. ولا يصهر تلك التكتلات إلا القانون، أي القوى التي تفرض التنوع وتعطي الحياة على استحياء بعض الجماليات.

العمالة الوافدة لا تحمل هوية واضحة المعالم لدينا، فهل هي سلطة ثالثة على رأس الاقتصاد أم أنَّها سوط يؤرق مضجع المواطن ويُرهق قوى السوق والإنتاج؟ من حدد مصادر القوى العاملة الوافدة وقيمتها وغلاءها والمناسب لنا؟ هل هو طرح فيه قبول ورفض؟

لن نتعلم إن لم نُخطئ ولن نستفيد إن لم نُحاول، والتنوع الحقيقي الذي نصبو إليه لن يأتي من فاقده ولا من هارب من عجز، ولا من التقليد الأعمى، ومن أجل إشباع لهفتنا لبلوغ القمة باستخدام نظرية فيزياء الإزاحة، وتفادي الاستغراق في ما فعلته الدول العظمى من أجل الوصول. علينا استثمار العقول الوطنية والتنوع الفكري والعلمي، واستيراد ودمج (توطين) عقول مُحفزة تستطيع أن ترفع من قوانا العلمية، التي يجب أن تكون الأولى ومن بعدها العسكرية ثم الاقتصادية.

في الغد لا نحتاج إلى سوق الحمالين والبناءين، ولا أيدي أُمية جاهلة؛ لأنَّ الآلات تحل محل كل جاهل لا يستثمر عقله ولا ينفع الإنسان، ولقد أظهرت الدول العظمى براعتها في عمران لم يعد يستغرق حتى شهرا في التشييد، والاستثمار الفعلي يكمن في التنوع واستغلال الموارد بإمكانيات طموحة، فعمان قبلة للطبيعة والأمن والسلام ولتكن قبلة للابتكار وعلوم التقانة.

سُّمو...

لنتجاوز المألوف من أجل جماليات التنوع الفكري والعلمي، لدينا المكان والإمكانيات ولا يعوزنا، إلا الانفتاح والثقة في قدرتنا على إدارة التنوع والتغيير وزيادة السكان.