حياة واحدة مكررة

فاطمة الحارثي

نال المشهد المسرحي الأخير الكثير من لفت الأنظار، تهديدات تبعتها صواريخ، أشعر الشعراء، وأنشد المنشدون، وغنّى المطربون، وهلّل الناس؛ عشنا جعجعة، لكن لم نر طحينا ولا فناجينا، أعلن المحلل الأول أنه مشهد متوقع وسوف يغير من خريطة العالم، فتكفل الذكاء الاصطناعي برسم حدود جديدة لدول العالم، ومحلل آخر قال الكثير من "الطلاسم" بالكاد انتبهنا للحروف العربية فيها، وآخر أتى بمنطق غريب.

في الحقيقة، أثبت المشهد صدق التاريخ، في مسائل فقر الأمم ورخوة العقول، ولن أفيض في هذه المسألة فلست من أهل السياسة ولا أخوض فيما ليس لي به علم أو اهتمام، ومع هذا أدركت أن ما يصلح في المسرحيات الصغيرة يمكن تطبيقه على مستوى الدول، فالجعجعة نراها في البيت عند محاباة الأهل لأحد الأبناء، وكيف يتم تحوير وتحريف الحقيقة، وتبرير العطايا غير المنصفة لبعض دون الآخر، وفي العمل كيف يتم تحريف القوانين، بأعذار لا منطق لها لترقيات خاصة، أو زيادات "المحاباة"، أو صياغة "وهم مشكلة" لا أساس لها "إلا كلمة"، أي مشكلة مبنية على السمع، وتضخيمها حتى يُصدقها الناس ويتقبلون العقوبات أو القرارات التي تأتي بعدها، وإذا طالب أحدهم الدليل المادي، أو تحدث عن الإجراءات الصحيحة في مثل هذه المسائل، اعتبر شخصا ساما، سلبيا، مفسدا لسلامة البيئة سواء الأسرية أو العملية أو حتى الاجتماعية.

نعلم جميعا وندرك أن مجرد "كلمة" تحدد موقفك أكان مع أو ضد أي مسألة، بالمختصر الحزب الذي قررت أن تدعمه، والمنطق الحديث لا يقبل صفة "الحيادي" ويعتبره خائنا أو جبانا. طبعا قد يتفق معي الكثير منكم أن اللامنطق أصبح سيدا للساحة، رغم أننا نتداول قول "المعنى في بطن الشاعر"، أصحبت الحياة أيضا في سديم اللامنطق، ولن أخفي عليكم أنني أفتقد الموضوعات المبنية على الأسباب والأدلة والبراهين المادية، وليس التكهنات والقيل والقال. فتفاعل المجتمعات مع أحداث إيران وإسرائيل، يتراءى لي اليوم أنها كانت مبنية على السمع والخيال، وتأثيرات منصات التواصل الساخنة، وسخرية المستثمرين في زيادة عدد المتابعين، لأن ما حدث بعدها كان صمتا أسرع من الصوت الذي بدأ به.

وإذا صغت بعض الدروس المستفادة من هذه المشاهد، نُدرك أن الهرم والشيخوخة قد نالت منا، وأن القادم يحتاج إلى الكثير من البذل والجهد، لإعادة إحياء الشغف وقيم الحياة السوية المسؤولة، فالخيال سيد وقائد الحقيقة في عصرنا الحالي، ومفهوم المسؤولية شاخ معنا، ولم ينتقل كما يجب إلى الأجيال التي بعدنا، والفراغ كان خواء وهما يوما، واليوم أصبح جزءا مما يسعى إليه شبابنا، وأننا بالفعل نحتاج إلى التجنيد الإلزامي لهم، حتى لا يضلوا ولا يُضلوا.

 وإن أردنا بالفعل المساهمة في التربية المشتركة بين الجهات المختلفة للأجيال القادمة، فالأجدر أن نطبق التجنيد الإلزامي لجميع الشباب، مباشرة بعد الدبلوم العام أو الجامعة مع احتفاظ الشاب حق القيد الجامعي المؤجل إلى بعد التجنيد، ونُرجع برامج ومناهج التربية الأسرية لفتياتنا، وإن نظرنا بحكمة إلى التوازن والعائد الذي قد تحققه مثل هذه القرارات، على المدى الطويل فإننا نصنع جيلا قادرا على تحمل الأعباء والمسؤولية والبذل من أجل مجتمعه ووطنه، جيلا يعزز الإيجابية والاستدامة، مليئا بالوعي والبذل ومُدركا للحقوق والواجبات.

وإن طال...

من قرأ كتب التاريخ والفلسفة، يجد الكثير من المتناقضات التي دُونت، وما زلنا نُعيدها، في إسقاط واضح لأهمية الارتقاء من خلال التعلم من الدروس المستفادة، وكأننا نعيش حياة واحدة مكررة عبر الأجيال. الحياة واسعة لا تحتاج إلى أشرطة مكررة، فقد أتخمنا الملل.

الأكثر قراءة