حيدر بن عبدالرضا اللواتي
مع المستجدات الجديدة في عالم التقنيات، فإنَّ بعض الخدمات التي تقدمها الجهات المعنية أصبحت سهلة المنال بعد تقديمها إلكترونيا من قبل العملاء، بحيث يُمكن للبعض العمل بها وتقديمها من خلال تواجده بمنزله أو في مكتبه أو في أي موقع آخر. ومن هذه الأعمال "التقاضي الإلكتروني" الذي من خلاله يُمكن للمرء أن يتقدم بشكواه إلى الجهات القضائية وغيرها عبر وكيل محلي في بلده دون السفر إلى الدولة الأخرى التي تقام فيها القضية، الأمر الذي يسهّل على النَّاس تقديم قضاياهم والإسراع في حلها عبر قنوات التقنيات المطلوبة.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور علي فيصل الصديقي أستاذ خبير متفرغ بكلية الحقوق بجامعة البحرين ورئيس هيئة تحرير مجلة "الحقوقية" خلال حديثه بمجلس الخنجي مؤخراً إنَّ الجائحة تفرض واقعاً جديداً على قوانين العمل السارية في العالم، بسبب الإغلاقات المتكررة والعمل عن بعد، مؤكداً أن قوانين العمل في العالم تطورت كثيراً لتصل إلى ما هي عليه الآن، في حين فرض التطور التكنولوجي والدورة الصناعية الجديدة أنماط عمل مختلفة خاصة أثناء الجائحة التي نمر بها منذ أكثر من سنتين.
وتشير الأدبيات في هذا الصدد إلى أنَّ التقاضي الإلكتروني يمثل انطلاقة نوعية في مجال العدالة القضائية، ويعمل على تبسيط وسرعة إجراءات التقاضي، والحصول على المعلومة والاطلاع عليها، بجانب الفصل في تلك القضايا بسرعة عكس ما هو معمول به أثناء العدالة التقليدية التي تتسم أحيانا ببطء في الإجراءات، وتكلّف أصحابها مبالغ كبيرة.
وقد شهدت عدة دول عربية خلال السنوات الماضية تطوراً وتحولاً رقمياً ونوعياً في منظومة التقاضي، الأمر الذي يتطلب تعزيز التعاون الفني والتقني بين الوزارات المعنية في القضاء والعدل والتقنيات والاتصالات ومؤسسات تكنولوجيا المعلومات، وجميع المؤسسات المعنية بهذه القضايا. كما أن بعض الدول أطلقت منصات تقاضٍ إلكترونية للمحاكم لديها، الأمر الذي يتطلب الاستفادة من تجاربها والعمل بها على مستوى القضايا المحلية والإقليمية. فهذه التقنيات تمكّن المحامين من إيداع صحيفة الدعاوى بطرق إلكترونية من خلال سداد الرسوم والمصاريف باستخدام بطاقات الائتمان المصرفي، واعتماد الصحيفة بتوقيع إلكتروني. كما أدخلت بعض الدول هذه التقنيات لمتابعة القضايا عن بعد ومشاهدة أصحاب العلاقة بتقنيات الفيديو والبت في القرارات، الأمر الذي يتطلب إصدار التشريعات اللازمة للإسراع وتحسين أداء الأنظمة الإلكترونية في هذه القضايا.
ومع حرص العالم على الابتعاد عن التجمعات والعمل عن بعد في ظل جائحة كورونا المستجد، فإن التقاضي الإلكتروني أصبح واقعاً جديداً على الجهات المعنية، الأمر الذي يتطلب حل المشاكل التي تتعلق ببنية النظام القضائي وتأهيل الكوادر الشابة للمساهمة والقيام بهذه المسؤولية، بحيث تضع الدول هذه المنظومة على رأس أولوياتها في الأعمال الإدارية. وهذا لا يعني أن النظام القضائي سوف يخلو من المصاعب والتحديات. فهذه الأساليب أيضا لها سلبياتها في التعامل اليومي، إلا أنها سريعة في إنهاء الإجراءات في حال كان التجاوب سريعا من جميع الجهات المعنية، ناهيك عن المشاكل التي يمكن أن تحدث في حال ضعف الشبكات، أو انقطاع التيار الكهربائي أو تعطّل برنامج معين أو التصوير أو الصوت في وقت الاتصال مع الأطراف الأخرى. ولكن في حال كان الأمر سلساً وإيجابياً، فإنَّ ذلك يؤدي إلى سرعة إتمام إجراءات المحاكم.
إن الظروف التي تمر بها الدول والمؤسسات بسبب الجائحة تتطلب العمل على تطبيق منظومة التقاضي الإلكتروني وخاصة في مجال القضايا التي تهتم بالشأن الاستثماري والاقتصادي بجانب العمل في المجال المدني والإدراي. فهذه القضايا أصبحت ملحة على المنظومة الإدارية للدول للإسراع في جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير فرص العمل للعاطلين، بجانب تقوية الأنظمة الإلكترونية في جميع المجالات المدنية والقضائية وغيرها.
ولدى السلطنة اليوم مجموعة كبيرة من المحامين الشباب المتميزين في العمل القانوني، ويمكن من خلالهم إعداد المشاريع القانونية الإلكترونية، وتعزيز عمل هذه الأنظمة في حل جميع المنازعات بصورة كبيرة مستقبلاً من خلال تعزيز المنصات الرقمية وجعلها مفتوحة ومستدامة، مع ضرورة قيام الحكومة بتوفير البنية الأساسية الجيدة للتقاضي الإلكتروني. كما نشير هنا أيضا لما لدى السلطنة من كوادر جيدة وكبيرة في العمل القانوني والقضائي للقيام بعملية التدريب والتأهيل لجميع العاملين في العمل القضائي.
وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور علي الصديقي أن القضاء جزء من المجتمع، وعليه أن يدرك أموراً في الحياة أكثر مما هي موجودة في القوانين، كما إن على القاضي أن يكون لديه معرفة أولية بهذه القضايا التكنولوجية الضرورية من أجل التعامل معها والاستعانة بالخبراء، مشيراً إلى أن النظام القضائي في البحرين يتعامل اليوم مع الكثير من الدعاوي الإلكترونية بنسبة 90% عبر وسائل التكنولوجيا. وعمومًا فإننا بحاجة إلى تشريعات تواكب الإجراءات والتقاضي الإلكتروني، الأمر الذي يتطلب مساندة الأفكار الحديثة من قبل جميع أفراد المجتمع.