ناصر بن سلطان العموري
أكثر من 6 مليارات ريال حجم الاستثمار في القطاع السياحي بالسلطنة، وذلك حسب إفادة وزير التراث والسياحة في حديث صحفي له، وبصراحة استغربتُ وذهلتُ من هذا الرقم الكبير والمشاريع التي تمَّ ذكرها بعيدة كل البعد عن كونها مشاريع سياحية ذات صبغة عائلية، كحديقة للحيوانات أو مدينة ملاهٍ بمواصفات عالمية أو حديقة مائية عصرية!
فمن الفئة المستهدفة من هذه المشاريع السياحية تحديدًا؟ هل هو السائح "الخواجة" القادم بحقيبة من الدولارات الإفرنجية أم السائح المحلي الباحث عن المرافق السياحية العائلية المفقودة في بلده؟ وهل المبلغ المذكور متمثلٌ في إقامة مشاريع تعود بالنفع على السائح المحلي؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجسدًا عبر فنادق راقية باهظة ومنتجعات فخمة ومخيمات سياحية تقتصر على السياح الأجانب؟!
"السياحة تُثري"، "عمان التاريخ والأصالة"، "عمان.. للجمال عنوان"، كلها شعارات سياحية براقة ترمز وتروج للسياحة في بلدنا، لكن لمن هي موجهة في الأساس؟! وهل الفنادق والمنتجعات الموجودة الخاوية من أية فعاليات ومناشط عائلية بأسعارها الخيالية تخدم المواطن المستنزف راتبه من كل حدب وصوب أم تراها موجهة تحديدًا للسائح القادم من خارج الحدود؟! وهنا ينبغي النظر في مراجعة أسعار الفنادق والمخيمات والإيواءات السياحية من قبل وزارة التراث والسياحة لكي تكون مناسبة للسائح المحلي غير مبالغ فيها.
"الوزارة تدرك أهمية توفير الخدمات في المواقع والوجهات السياحية"، هذا جزء من تصريح وزير التراث والسياحة، ومن الجميل الاعتراف بأن هناك قصورًا، والأجمل أن يُعالج هذا القصور في أقرب وقت، فالحديث حول ضعف المرافق والخدمات السياحية الداخلية يطول، والمواطن كلَّ وملَّ وتعِب من الحديث حول هذا الموضوع، وهذا طبعًا لا ينطبق على السائح الأجنبي الذي يأتي لعُمان وطريق الورد مفروش له من منتجعات سياحية فخمة تحتوي على خدمات خمس نجوم، إلى رحلات استكشافية محمول فيها على أكف الراحة لا يفكر في البحث عن دورة مياه نظيفة أو مقهى يشرب منه جرعة ماء أو مطعم يسد به جوعه!
السائح الخواجة في بلده أصابته تخمة حتى الإشباع من زيارة حديقة ملاهٍ عالمية والذهاب لسفاري طبيعي وارتياد حديقة مائية عصرية، وجاء لبلدنا لتلسعه أشعة الشمس وليتزود بفيتامين D وليستمتع بشواطئنا الدافئة ورمالها الفضية الناعمة وكثبانها الذهبية ومشاهدة تاريخ قلاعنا وقصة أفلاجنا واكتشاف كهوفنا.
لكن مهلًا!! ماذا عن السائح العُماني ابن البلد إلى أين يصطحب عائلته؟! فالشواطئ والوديان والقلاع كلها أماكن سياحية حفظها السائح عن ظهر قلب، فما الجديد بعد مرور 52 سنة من النهضة، وإلى الآن لا يوجد ولا مقصد سياحي واحد يلبي احتياجات العائلة. وصلنا للقرن الحادي والعشرين وأصبح الحديث حول السياحة عبر الفضاء ومشاهدة القمر عن قرب، بينما نحن ما زلنا نبحث عن السياحة المتمثلة في المرافق السياحية العائلية في بلدنا، فهل نعتبر أنفسنا متأخرين عن الركب؟!
مؤخرًا أُعلن عن افتتاح أكبر حديقة مُغطاة في العالم، وهي حديقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية بالمملكة العربية السعودية، وهناك غيرها من المشاريع السياحية العائلية التي تزخر بها الدول المجاورة والتي يشد إليها المواطن العماني الرحال طلبا للفرجة والمتعة رفقة العائلة.
عُمان بلد حباها الله بمناظر سياحية خلابة وبتضاريس متنوعة من السهل إلى الجبل إلى البحر قد لا يوجد لها نظير.. لكن أين الاستغلال الأمثل لإقامة مشاريع سياحية تستفيد منها العائلة العمانية؟ وأين أثرياء عُمان ومستثمروها من ضخ رؤوس أموال في القطاع السياحي وتقديم خدمة مجتمعية لأبناء بلدهم عمان الذي أعطاهم الكثير، عوضًا عن التفكير في الاستثمار بالخارج، فالظاهر أن الأرباح الطائلة أهم لديهم من سعادة وفرح شعب بحاجة لشيء يسعده ويبهجه.
رسالة لأولي الأمر.. افتحوا أبواب الاستثمار على مصراعيه لا سيما في المجال السياحي واختاروا المشاريع التي تقوم بخدمة السياحة العائلية، فهي الأحق ولا تضعوا العراقيل الجسام التي يفر منها المستثمر دون عودة.
******************
"غربة وطن".. كم آلمني المقطع المتداول الذي يدعو فيه المواطن العماني للسماح بشد الرحال للهجرة وطلب الرزق للخارج في ظل ازدياد عدد الباحثين عن عمل وتكدسهم في قائمة انتظار طويلة وهيمنة العامل الوافد على مجمل وظائف القطاع الخاص. لا يهمني إن كان المقطع قديمًا أم جديدًا، الأهم أن الوضع الآني بحاجة لتدخل فوري، وليس لخطط طويلة الأمد، قد يدفع ثمن انتظارها العديد من الشباب.