مخططات سكنية مأهولة بلا هُوية

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

ثمّة فارق يُدركه العقلاء- وليس غير العُقلاء- أنّ تسمية الأماكن بطريقة التجوّز والتسمّح، يختلف عن مسماها الرسمي الذي ارتضته الحكومة لها؛ فذلك شيء وهذا شيء آخر.

ولاريب أنه لا يملك أحدٌ تسمية مكان ما مهما علا صيته وكُبَر منصبه وزاد وزنه؛ لأنَّ ذلك الرجل نفسَه أو غيره لا يملك تسمية أحد أبنائه إلا بعد موافقة رسمية من جهات الاختصاص بله تسمية المخططات السكنية التي يشترك فيها البعيد والقريب والغني والفقير؛ فتسمية المخططات السكنية بالذات شأن حكومي بحت، وإنْ كانت عندنا عليه بعض الملاحظات.

ولكن ما أُريد تحبيره في هذه العُجالة على الرغم من كثرة المشاغل التي لا يحتمل الوقت لمناقشتها، هو افتقار بعض المخططات السكنية إلى أبسط حقوقها، وهي هُويتها التي لا تُعرف إلا بها، وبالتالي افتقارها ذلك جعلها نهب المغالطات، فالكل يدّعيها وينسبها إلى قريته بحكم قربها من هذه القرية أو تلك، وكان الواجب يُحتِّم على الجهة المختصة أنْ تُسمّي الشيء بمسمّاه وأنْ تضع النقاط على الحروف، وأنْ تُعطي سكان هذا المخطط أو ذاك استقلالهم بهويتهم؛ فقد جاءوا من أماكن متفرقة رافعين هاماتهم شامخة لا يستجدون من أحدٍ هوية، وليسوا عالة على أحد بل امتثلوا أمر ربهم بالضرب في الأرض حالهم حال غيرهم منذ الأزل والهجرات قائمة. وأمّا إنْ سألتني عن انتمائهم فإنّه وإنْ طال بهم المكوث خارج مسقط رأسهم فلا يزال لتلك البقعة التي كتب الله سقوط رأسهم فيها من الأرض، أو قل للأم الكبيرة عُمان وليس غير عمان، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أُخرج من مكة:"واَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

لذلك يؤسفني حقاً أنْ تجد من يُنادي في النوادي والاجتماعات والمنشورات والإعلانات بهذه المغالطات ونحن في زمن أصبح العالم بأسره شرقه وغربه قرية صغيرة إنّ هذا لشيء عجاب!

لا أُريد أنْ أُطيل عليكم لأنّ الموضوع لا يستحق الإطالة، ولكني أقول للمختصين في شؤون المخططات السكنية بلهجة جادة حازمة أعيدوا للمخططات الجديدة احترامها وتقديرها، وأكرموها بحقوقها من تعبيدٍ للطرقات، وأوقفوا هذه المغالطات والمشاحنات والتحريش بين الأخ وأخيه والجار وجاره، بتسمية الأشياء بمسمياتها، وارفعوها عاليا ليراها الكبير ويحفظها الصغير، وابتعدوا بها عن الانتماءات المناطقية أو القبلية؛ ليعيش الجميع على قلب رجل واحد، فإنّ العاقل ينزعج مما يسمع ويشاهد من هنا وهناك خاصة ممن يتعاطى الحديث ويُدندن حولها وما أكثرهم!