تغييب دور المتقاعدين

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

 

كان الموظف قبل تقاعده يُعتمد عليه في كل شيء، وتسند إليه المسؤوليات الجسام، وكان الموظف يتفانى ويجتهد لإنجاز تلك المهام بكل تفان وإخلاص، بل ويضحي بوقته ووقت أسرته، وأحيانا يضحي بجزء من ماله من أجل إنجاز العمل الموكل إليه بكل حرفية وإتقان، ليس من أجل إرضاء رئيسه فحسب، وإنما من أجل الخروج بعمل رائع يسعد به نفسه أولاً ثم لنيل الرضى من المسؤولين من أجل نيل أعلى المراتب، وهذا حق مكتسب لكل عامل يعمل في أي مجال.

فتمضي الأيام بين الحصول على مقابل للجهود التي يبذلها الموظف، وبين التهميش حال إنجاز العمل، وهذا يحدث عند المسؤولين الذين يتسلقون على ظهور موظفيهم من أجل تحقيق غاياتهم الخاصة، وبالتالي تهميش أصحاب الجهد الحقيقي. ثم تمضي أيام التهميش أثناء العمل، ويحال الموظف المهمش إلى التقاعد، وهنا تبدأ سلسلة أخرى من التهميش وتغييب دور المتقاعدين في شتى المجالات والميادين.

نلاحظ أن دول الغرب يستعينون بالموظفين القدامى للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم أثناء حياتهم العملية، فيتم الاستعانة بهم في تدريب الموظفين الذين حلوا محلهم في ذات العمل، فالتطوير والتحديث في العمل لا يستغني عن الخبرات السابقة، فهي الأساس قبل التحديث والتطوير، لكن الواقع في بلداننا العربية دون استثناء تجاهل المتقاعدين وتهميشهم في شتى المجالات.

فمن واقع تجربة كانت جهة عملي توفر تسهيلات لموظفيها بالتعاقد من عدد من المؤسسات الخدمية والمستشفيات والفنادق والمنتجعات الصحية وتشمل أيضاً عروضا في بعض المحلات، فبعد التقاعد، وبعد أن قلَّ الراتب الشهري بما يعادل الثلث، فقدنا هذه الامتيازات، في حين نحن بأمس الحاجة إليها في هذا الوقت من حياتنا التقاعدية. فعند مراجعتي قبل سنتين لصندوق تقاعد الخدمة المدنية من أجل استكمال إجراءات تقاعدي، سألتُ عن المميزات التقاعدية للمتقاعدين فكان الرد أنه لا توجد أي مميزات، وأعتقد أنه لا توجد خطة للتواصل مع الجهات الخدمية والمستشفيات والفنادق والكليات والجامعات التي ترحب بعقد مثل هذه الاتفاقيات، إلا إذا استجد جديد منذ عام 2020 حتى الآن.

وبدوري أشكر جمعية الصحفيين العمانية التي أولت هذا الجانب اهتماماً كبيراً، فوقعت عددا من الاتفاقيات مع عدد من المؤسسات الخدمية، فحصلت على تخفيضات لأعضائها وصل بعضها إلى تخفيض بنسبة تتراوح بين 20 إلى 40 بالمائة، وهذا يحسب لجمعية الصحفيين العمانية.

كذلك هناك شركات كبيرة قد سعت للحصول على تخفيضات لموظفيها بنسب متفاوتة مما يشجع الموظف إلى التوجه إلى تلك المؤسسات، التي بدورها تستفيد وترحب بمثل هذه الاتفاقيات، فلا أدري ما الذي يمنع مؤسساتنا التقاعدية من توقيع اتفاقيات مماثلة؟ أم أن فاقد الشيء لا يعطيه، فالمسؤولون والقائمون على إدارة المؤسسات التقاعدية لم يحسوا بما أحس به الموظف المتقاعد، وإلا تسابقت تلك المؤسسات إلى توقيع مثل هذه الاتفاقيات.

من جانب آخر، هناك مسابقات في التصوير والتصميم الفوتوغرافي والرسم وغيرها تنظمها وزارة الثقافة والرياضة والشباب وغيرها من المؤسسات الحكومية تحدد فيها الأعمار بثلاثين سنة، وكأن الإنجاز لا يمكن أن يحققه ما فوق هذا السن، في حين هناك دول يشارك في مسابقتها الشاب والكهل، فلا أعلم ما هو المقياس المعتمد لدينا في سلطنة عمان لسن الشباب الذي تخدمه وترعاه وزارة الثقافة والرياضة والشباب.

أتمنى من حكومة بلادي في عهدها المتجدد بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أن تولي المتقاعدين اهتماماً خاصاً في شتى المجالات. كما أتنمى ألا يتوقف معاش التقاعد عند حد معين، وإنما يتم تعديله وزيادته وفقاً للمعايير والمتغيرات من حوله، من حيث ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، وأسعار الوقود والكهرباء والماء والغاز وغيرها؛ فمعاش المتقاعد ثابت لم يتغير، وأتمنى ألا تبقى الأفكار ثابته لا تتغير حالها حال معاش التقاعد.

ومطلب أخير موجه إلى وزارة العمل، بأن تقوم بدراسة أوضاع المتقاعدين الذي أحيلوا إلى التقاعد بدرجات معينة وهم أحق في الحصول على درجات أعلى توفقت في ظل تجميد التقاعد في نظام الخدمة المدنية السابق، وأن تعاد جدولة جميع المتقاعدين، وإعطائهم حقوقهم التي كانوا يستحقونها قبل خروجهم للتقاعد.