ما بين الحب والمكيدة!

 

مدرين المكتومية

نعيش في هذه الحياة وكأننا مدعوون لحضور عرض أوبرالي، نعيش هكذا دون أن ندري أو نتوقع ما الذي سيحدث بعد إغلاق الستار على الفصل الأخير، إنَّ الحياة مسرح كبير، ومقاعد تملؤها وجوه كثيرة مختلفة، تفصلنا عن البعض منهم مقاعد، وتجمعنا بآخرين مقاعد، وكل ملامح من هذه الوجوه التي نلتقيها ونجبر على الجلوس معها معًا بنفس المكان ماهي إلا فقط أقنعة لربما تكون خلفها شخصيات رائعة وجميلة ومُسالمة، وربما تقع بعض الأقنعة ونكتشف أننا مخدوعون بها لأبعد حد، إن مسرح الحياة أشبه بكثير بالعرض الأوبرالي الشهير "ريجوليتو" والتي يمكن أن أسميها "أوبرا الحب والمكيدة".

ريجوليتو، عندما تخونك الحياة، ويخونك الأحباب، وتغتر بمكانتك، ويخذلك الجميع، إنها مسرحية الصراع بكل أشكاله، الفقر والغنى الفاحش، الألم والسعادة، الحياة والموت، مسرحية الطبقة الكادحة والطبقة الأروستقراطية المخملية، وكل ما يمكن أن يعترضك في هذه الحياة من مواقف وأحداث تعيد تشكيل ما أنت عليه، إنها الحياة بتجلياتها، رحيل وفراق، ألم ولقاء، أحداث مباغتة، ومصادفات رائعة، البقاء والخلود، وشخصيات متناقضة وكل ذلك يمكن أن نعيشه في الحياة التي نحياها، ضمن محطاتنا المختلفة، ورحلتنا الطويلة الشاقة التي نسير بها دون تحديد وجهة معينة، فجميعنا مهما مضينا في حياتنا وسلكنا الطرق برغباتنا ما هي إلا لحظة ونتوقف عندها، إما نعود للخلف أو نبقى نفكر لبرهة من الزمن نحو ما سنسير إليه.

فعندما يزاح الستار فإننا موعودون ومدعون اليومين المقبلين لعرض أوبرالي متكامل، عرض الحياة بتفاصيلها المختلفة، وتقلباتها غير المتوقعة، وتجلياتها العميقة، إنها رحلة طويلة جدا جدا، لكنها مليئة بالأحداث غير المتوقعة، عرض ريجوليتو هو العرض الساحر، العرض المدهش، العرض الرائع الذي يكتب النهاية بطريقة تراجيدية مشوقة، إننا أمام فصول ولوحة من الجمال، نشاهدها بمشاعرنا قبل أعيننا، إنها اللوحة المخلدة لمسارح العروض الأوبرالية هو العرض الذي يحمل في كل مواقف أبطاله ما يسمى "الكارما" التي لم تفارق تلك الشخصيات التي تسخر من بعضها البعض ليعيد القدر لكل منها الصاع، حيث تحدث العدالة فيجبر كل شخص منهم للجلوس في المقعد الذي أجلس غيره عليه، إنه العرض الأوبرالي الذي تعيدك فيه نهايتك حيث البداية، إنها السيمفونية الحزينة التي توصلك لقناعات مختلفة، وأهمها أنه كما تُدين تُدان، وأن الحياة في مجملها لعبة قدرية لا يمكن التكهن بها، وأن من يضحك كثيرا سيبكي أخيرا، إنه المشهد غير المتوقع، إنها نار المشاعر التي لا تنطفئ، إنها الدموع الحارقة التي لا تتوقف، إنها القصة التي يكررها التاريخ لنا.

ريجوليتو هي المشهد الحقيقي للحياة التي نحياها، إننا نبحث عن العدالة، الإنصاف، الحب، السلام، الأمان، الطمأنينة، إنها العالم اللامتناهي، إنها هذه الأيام والساعات واللحظات التي نعيشها أنفسنا، نحن بالأساس نعود للأصل دائما، الأصل الذي هو عبارة عن أنفسنا، وما يختلج ذواتنا من رغبات واهتمامات، إنها قصة كل من يقرأ كلمات هذه السطور، إنه المعترك الحقيقي الذي نحياه بيننا وبين أنفسنا، ونضطر لأن نشارك فيه الآخر ونتقبله كما هو ونتحمل في الوقت ذاته تقلباته.