علي بن مسعود المعشني
قضينا خمسة عقود ودور المحافظ والوالي أقرب لكونه دورًا بروتوكوليًا لا يتعدى وضع التصور أو الرد على استفسار أو استشارة من المركز بمسقط، وبهذا فإنَّ الأمر يزداد إلحاحًا وكلما اتسعت الحاجة إلى وجود ما يرفد ويعضد جهود الحكومة في تحقيق التنمية بمفومها الشامل والعميق، ولن يتأتى ذلك- في تقديري- إلا باستدعاء أطياف الدولة والمُجتمع لتعميق مفهوم التنمية وتجذير ثمارها.
مقتضيات العصر اليوم تفرض علينا العمل بمفهوم اللا مركزية ومنح المحافظات صلاحيات مفردات التنمية المحلية بجميع تفاصيلها الدقيقة وبعد تحديدها والتعريف بها والفصل بينها وبين مفردات التنمية الوطنية أو القومية والتي تتعلق بالمشروعات الوطنية الكبرى من مطارات وموانئ وشبكات طرق وما في حكمها من مشروعات ذات طابع وطني.
من هنا تأتي الحاجة الملحة اليوم إلى استنهاض مُحافظات السلطنة الإحدى عشرة ومنحها الاستقلالية التامة في استثمار مقدراتها الطبيعية والبشرية وفق مقتضيات مُفردات التنمية المحلية ووفق سقف مالي محدد في التكاليف والأحجام لتلك المشروعات، وبما يرفد جهود الحكومة المركزية ويخفف عن كاهلها الكثير من الإنفاق والعتب وفي المقابل يخدم المحافظة وأبناءها وفق أولوياتهم ورؤاهم.
وإذا كانت المخصصات المالية المرصودة اليوم متواضعة للقيادة ولعامة الشعب نتيجة الظروف القهرية التي تمر بها سلطنتنا الحبيبة فلا بأس من تخصيص نسب محددة من دخول المحافظات من رسوم وضرائب وإعادة تدويرها في مشروعات تنموية لكل محافظة، وبهذا سنرفع من سقف وتيرة التنمية وعائداتها لتشمل الإسهام في حلول مشكلات متعاظمة كالباحثين عن العمل والمسرحين والمتقاعدين ومن في حكمهم.
كما أرى من الضرورة تخصيص نسبة من دخول الثروات الطبيعية الاستراتيجية المستخرجة في كل محافظة كالنفط والغاز، وكذلك حصص المسؤوليات الاجتماعية للشركات والمؤسسات الكبرى لترفد جهود أبناء المحافظات وتعزز من خططهم التنموية لمحافظاتهم.
فهذه الصلاحيات التشريعية والمالية والإدارية والمخصصات المالية المرصودة والتي يتيحها القانون كذلك ستسهم بشكل كبير في تفعيل الدور التنموي الحقيقي للمحافظات بشقيها التقني والمتمثل في الجانب البنيوي المادي والشق الفكري والمتمثل في الجانب الثقافي والفكري لكل محافظة. ففي ظل وجود المجالس البلدية كتجربة واعدة وقابلة للنمو والتطور وما تعنيه من اهتمامات تنموية وخدمية تحتاجها المجتمعات المحلية بكل محافظة يمكن لهذه المجالس أن تقوم بدور استشاري وتوجيهي لأولويات التنمية في محافظاتها وبالتعاون مع اللجان المحلية يمكنها تعميم مفردات التنمية في ولايات المحافظة وتنويع مصادر الدخول وأوجه الاستثمار الواعدة والحيوية فيها.
كما يمكن للمحافظات وفي ظل الصلاحيات الممنوحة لها الشروع في إنشاء وتشكيل عدد من الشركات والمؤسسات التجارية والمجتمعية الماسة بحاجات المجتمع والجالبة لمسببات الاستقرار المجتمعي والسكينة العامة، كتأسيس شركات مساهمة أهلية عامة لمواطني المحافظة تهتم بتنمية واستثمار ثروات ومقدرات طبيعية تساهم في إبراز أوجه اقتصادية وفكرية للمحافظة في قطاعات زراعية أو معادن أو سياحة أو فعاليات موسمية أو دائمة. ويمكن للمحافظة أيضًا إنشاء جمعيات خيرية وتطوعية تسهم في تيسير سبل العيش للمواطنين ورفع مستوى معيشتهم والحظ على استدرار الخير وإعادة تدويره وإدارته وكما عرف عن المجتمع العربي العماني المسلم من تكافل وتراحم.
وفي الختام.. يمكنني القول إن التوجيه السامي لمولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بتفعيل دور وصلاحيات المحافظات يمثل قرارًا إستراتيجيًا لا رجعة فيه؛ بل سيتم البناء عليه تشريعيًا وماليًا حتى تتحقق الاستقلالية التامة للمحافظات وفق مفهوم التنمية المحلية ووفق قواعد ونظم الحكم المحلي وبما يخدم الصالح العام ويبسط المسؤولية والجهد المشترك بين الحكومة وكافة مؤسسات الدولة.
قبل اللقاء: كما يقال "أهل مكة أدرى بشعابها" وكذلك الحال "أهل المحافظات أدرى بصلاحهم وأولوياتهم".
وبالشكر تدوم النعم..