صديقٌ للتنازل

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

الصديق الذي ليس لك من صداقته سوى ردمك ودفنك في كومة من حشائش الحياة الاعتيادية التي لا يكون للحياة طعمٌ إلا بها ولكنه يُضخمها ويُسمِّنها، ثم يردمك بها وكأنك مُستودع لنفاياته، وكأنّ الحياة خُلقت له بلا أكدار، فهذا صديق لا تتردد في تسليمه إلى أقرب مصحّة نفسية ومن ثَمّ تتنازل عنه هناك وتعود بمفردك. والصديق الذي يستميلك بأساليب ووسائل يُحدّثها ويطورها عند كل لقاء ويجعل من عاطفتك تقطر حزناً وألماً على حالته، صديق حان الوقت للتنازل عنه.

والصديق الذي لا يعرف سوى بذاءة اللسان والفُحْش، والخوض في أعراض النَّاس، وقد سعيت بما تملك لردعه ولم يرتدع، صديق لا تستشير أحدًا في التنازل عنه على وجه السرعة. والصديق الذي يجعل من الحَبّة قُبة، ولا يُفرِّق بين التمرة والجمرة، صديقُ عليك أنْ تُقدِّمه هدية مجانية لمن يستحقه.

والصديق الذي خطواته معك لا تدفع بك إلى معالي الأمور ولا تُقرِّبك إلى الله زُلفى، صديق ابتعد عنه بعدد الخطوات التي سلكتها معه قبل أنْ تعرفه على حقيقته.

والصديق الذي لم يصدقك القول، ولم يُمحِّضك النصيحة، ويستقوي عليك في التجمعات، ويُضْحك عليك القريب والبعيد؛ لأنك بسذاجتك فتحت له أبوابك ونوافذك ليلج إلى خصوصياتك، صديق أجزم أنه لا يستحق طيبتك ومعانيك؛ فالتنازل عنه أكبر هدية تُقدمها له، ولا تنسَ تفرّ منه فرارك من المجذوم.

والصديق الذي يستشيرك فيما أرهقه من أعباء الحياة بانكسار وتبتل، وتسعى جاهداً في إخراجه من مأزقه بأقل التكاليف، ثم يُخَلِّف ذلك الجهد، وراء ظهره ويعود إلى سابق عهده، ويمشي إليه بقدميه، صديق انتهت صلاحيته معك.

والصديق الذي "اهتمامه بك تَكَلُّفا وتصنّعا فدعه ولا تكثر عليه التأسف".

أما الصديق الذي شعاره معك (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، ويكفكف دموع أحزانك ويمسح ببلسم كلماته قتامة شدّتك ومحنتك، ويتقاسم معك مصيبتك، ويذكّرك بمعية الله لك في أحلك ظروفك؛ فهذا لعمر أبيك تمسّك وتشبّث به لأنه سفينة النجاة من أعطاب الحياة.