منزل للبيع.. لسوء الجيرة!

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

منذ أيامٍ، لفت نظري وأنا أتجول في أروقة وطرقات مملكة تويتر، وهي المملكة التي لا تعرف النوم، والمتوترة بأشخاصها، ومما يُعرض فيها؛ شاهدت وأنا أسير في أدغالها الكثيفة من بعيدٍ لافتة سُمِّرتْ على حائطِ بيتٍ فخمٍ من الخارج مكتوب فيها "منزل للبيع لسوء الجيرة"؛ فشدتني إليها، وأخذتُ أتأملها وأقلّب حروفها فآلمتني لياليَ وأياماً، وأيقنت حينها أنّ البيت لا يُساوي شيئاً بدون جارٍ صالحٍ ولو كان قصرا مَشِيدا، وصرحه مُمَرّدٌ من قوارير.

ومما زادني ألماً، وجعلني أختار المشتري أو زُحلَ سكناً، كثرة هذه الفئات من الجيران في المجتمعات والذين يبيعون جيرتهم التي أوصاهم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بحفظها والاعتناء بها، وشدد العقاب على تضييعها لأتفه الأسباب؛ لأنّ منهم من يبيع جيرته بفتح نافذة يعلم علم اليقين أنها سبب في مضايقة جاره، ومنهم من يتعمد تحويل مرازيب الماء على جانب جاره، ومنهم من يفتح باباً ويعلم أنه يؤدي إلى إزعاج جاره، ومنهم من يجعل بيوت الحيوانات (الدروس) ملاصقة لبيت جاره، ومنهم من يعلن التحدي في الإيذاء، ويجيّش أسرته لإعلان الحرب على جاره، ليكون سببا رئيسا في هجرتهم إلى مكانٍ آخر، ومنهم ومنهم، حتى تموت وتنتهي وترتاح (منهم).

وأجزم يقيناً أنّه لولا صبر الناس على جيرانهم واحتمال أذاهم، لرأينا لافتات كثيرة وكثيرة جدا في كل مجتمع مكتوبا عليها بالخط العريض الغامق (منزل للبيع لسوء الجيرة)، ولرأينا لافتة أو اثنتين أو ثلاث -لا تزيد- من هنا وهناك مكتوبا عليها على خجلٍ (المنزل ليس للبيع لحُسْن الجيرة).

بل تصوّر معي أنّه لو يُعجّل عقوبة سوء الجيرة في الدنيا قبل الآخرة، ويتكفل ملك من ملائكة السماء بالكتابة على جدار بيت الجار السيئ، عبارة: (هذا جارٌ سيئ)!! وما كان ذلك على الله بعزيز.

أَمَا وإنّه ستر الله علينا، ولم يفضحنا، وأجّل عقوبتنا، أفلا نُقابل هذا الستر بالشكر؟! ونتدارك أيام عمرنا القصيرة بالإحسان إلى جيراننا والأدب معهم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل من علامة إيمان الإنسان إحسانه إلى جيرانه؛ لأنه ما معنى أن تكون في الصف الأول في المسجد، وعند جيرانك والإحسان إليهم في الصفوف الأخيرة والأخيرة البعيدة جدا؟! فيا رب اكتبنا من المُحسنين لجيرانهم، الباكين على خطيئاتهم، النادمين على تقصيرهم، المعترفين بأخطائم، التائبين من ذنوبهم.

وأخيرًا.. اسأل نفسك واستحضر الإجابة لكن إياك أنْ تُخبر بها أحدا: هل أنت من المحسنين لجيرانهم، أو قُلْ بعبارة أخرى: هل تؤذي جيرانك؟