استراتيجية الرياضة العمانية

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

Khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

تشرفت خلال هذا الأسبوع بحضور ورشة العمل التي دعت إليها ونظمتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، في بادرة كريمة من حيث دعوة المختصين في الشأن الرياضي، ومحمودة من حيث مشاركة أفراد الأسرة الرياضية، ومنهجية من حيث توسيع قاعدة المشاركين في بلورة أهداف ومبادرات المحاور والمرتكزات التي اعتمدت عليها الاستراتيجية، ذلك أنَّ المشاركة وسماع الآراء والمقترحات من مختلف شرائح العمل الرياضي، أكثر نفعًا، وأجدى أثرا في إعداد الاستراتيجية أولا، ومن ثم في الإسهام الفاعل في تنفيذها وبلوغ غاياتها ثانيا.

ورغم أن الورشة كانت في يوم واحد امتد لحوالي ثمان ساعات من الأخذ والرد والنقاش، لكن لفت انتباهي بعض الأمور؛ من ذلك إدراك الحضور بأهمية هذا العمل الوطني وضرورته في إطار تطوير القطاع الرياضي، ووصوله للعالمية حضورا ومنافسة، وهذا ما كان أثره واضحًا من خلال عمق النقاش وتداول الأفكار، والحرص على إبداء الآراء، كما أن الالتزام بالورشة من حيث برنامج عملها، والزمن المحدد، والبقاء حتى ختام الورشة، كل ذلك انعكس على إبراز الرغبة الصادقة في التطوير، وأظهر أهمية هذا القطاع، وقناعة الجميع بأنه لا مناص من تطويره وتفعيله والنهوض به بما يتوافق وطموحات المهتمين بالرياضة العمانية، والمجتمع العماني بشكل عام.

كما اتسمت الورشة بتنّوع الحضور، سواء من الجهات الرسمية أو الخاصة أو الاتحادات الرياضية أو الأندية أو الرياضيين أو الإعلام الرياضي أو الأكاديميين أو المشرّعين والقانونيين، وعموماً هذا التنوع ساهم بشكل كبير في تنوع الأهداف، وبعد تأثيرها، والحرص على استدامة المبادرات والرؤى المقترحة من قبل الحضور، ومما يدعو للإشادة بدقة البرنامج المعّد من قبل المعنيين، والالتزام التام بالوقت، وتراتبية العمل، وتسلسله العلمي والمنهجي، والاهتمام بأدق التفاصيل إعدادا وتنفيذا، وحسن توزيع الحضور على ورش العمل المتعلقة بمحاور الاستراتيجية الأربعة.

كما لفت انتباهي، حسن اختيار المحاور الأربعة للاستراتيجية؛ من حيث عناوين المحاور، ودلالاتها، ومرتكزات كل محور وشموليتها، ثم البعد الاستراتيجي العام، وهو الانتقال بالرياضة العمانية من مستوى الوعي بأهميتها ومُمارستها، ولاسيما في الإطار المجتمعي العام، إلى الاهتمام بخصوصيتها، والمبدعين فيها، ورعاية الرياضات المختلفة، وصولاً للعالمية، بلوغا إلى إنجازات على المستويات المختلفة، خاصة الدولية منها، تحقيقا لمبادئ أن الرياضة صناعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

فالمحور الأول المتعلق "بالرياضة والمجتمع"؛ تناول في مرتكزاته الرياضة المدرسية، والرياضة الجامعية، ورياضة المرأة، ورياضة ذوي الإعاقة أصحاب الهمم، والرياضة للجميع، وبطبيعة الحال؛ فإنَّ هذا المحور يهتم بالرياضة لبعض الفئات النوعية في المجتمع، والتي تكتمل في مجملها بكل عناصره، وتمثل فيما بعد واجهة حقيقية للدلالة على مجتمع رياضي، تمثّل له الرياضة مرتكزا حياتيا بالغ الأهمية، ويكون هذا المحور قاعدة أساسية لبيئة خصبة تمكّن من بروز خامات رياضية يعوّل عليها في المنافسة.

أما المحور الثاني فمعني "بالرياضة والاقتصاد والتنمية"؛ ومرتكزاته متعلقة بالبنية الأساسية المتكاملة، والرياضة التنافسية، والاستثمار، والأندية الرياضية، والإعلام الرياضي، وهذه مرتكزات تتطلبها المرحلة، ويقتضيها التوجه العام، فلا يمكن الوصول إلى رياضة تنافسية دون بنية أساسية متكاملة ومتسقة مع التطور في مجال المرافق الرياضية، وبالتالي تسهم هذه المرافق في الوصول إلى رياضة تنافسية، عبر استثمار رياضي مالي اقتصادي حقيقي يتصف بالاستدامة، ويتناسب مع طموحات المجتمع، والرغبة في الوصول للعالمية، مع الأخذ في الاعتبار بدور الأندية وأهميتها كقاعدة أساسية منها تنطلق كل الفعاليات، ومن خلالها نتمكن من الوصول للهدف، هذه الأندية لها التمكين اللازم والاستثمار الحقيقي، وقواعد جماهيرية فاعلة، وجمعيات أهلية تعلم الواجب فتقوم به بالشكل الكامل، وكل هذا يتم توثيقه ومتابعته والرقابة عليه من خلال إعلام رياضي متمكّن ومتطوّر وحقيقي.

وفي المحور الثالث المتعلق "بحوكمة الهيئات الرياضية ورفع مستوى أدائها"؛ وهو محور له أهميته وضرورته في ظل توجه عماني واضح لتفعيل الحوكمة، والاستفادة من نتائجها في تعديل المسارات وتصويب الخلل، وتعزيز الأداء، والقطاع الرياضي وهو قطاع متطور متسع يحتاج بشكل مستمر إلى مراجعة أنظمته وتشريعاته العامة والخاصة، في إطار يمكّن من استمراره بشكل تكاملي، وفيه العديد من الملفات بحاجة إلى سرعة التعديل والحوكمة كمثل الاحتراف والعلاقات بين المؤسسات الرياضية سواء كانت علاقات بينية أو مع أطراف أخرى، والطب الرياضي، والعقود، والأدوار والمسؤوليات، والصرف، ووجود هذا المحور سيضع كل أمر في نصابه بوضوح، وبالتالي إصدار أحكام موضوعية شفافة، تهدف إلى تحقيق الأهداف، ووضع الأمور في ميزانها الوطني.

أما المحور الرابع وهو محور "الرياضة والبيئة المستدامة"؛ فجاء مرتكزا على المنشآت الرياضية صديقة البيئة، والثقافة الرياضية البيئية، والرياضة السياحية، والرياضة البحرية والشاطئية، والألعاب التقليدية، وبالتالي جمع بين حسنات كثيرة، ومجالات متميزة عديدة، فالاهتمام بالبيئة ومراعاة متطلباتها في القطاع الرياضي دلالة على تكامل المجتمع واهتمامه بكل قضاياه، وعمان بشواطئها وموروثها لديها خزين لا ينضب من الألعاب، ويمكن الاستفادة من ذلك كله في صناعة رياضية متميزة.

لقد أفرزت هذه المحاور العديد من المبادرات التي تبشّر بنهضة رياضية متجددة كما هي عمان المتجددة، وقد قال المعنيون والشركاء كلمتهم بكل وضوح وشفافية ووطنية خالصة، واليوم فإنَّ الأمر بين يدي ذوي الاختصاص، وهم أهل كفاءة مشهودة، وعمانية معهودة، والمأمول منهم كثير، ونحن في شوق لنرى الاستراتيجية العمانية واقعاً مشهوداً مرئياً، داعيًا وقد دعوت سامعا، ومذكرا بضرورة أن تكون بعد ذلك خطط التنفيذ واضحة بمؤشرات محددة، وأدوار معلومة، وشراكة للجميع، والأخذ بمبادئ الحوكمة المستمرة لنعرف من أين بدأنا؟ ولأين نسير؟، وما أنجزنا؟، والتحديات، وكيف نتجاوزها في إطار منهجي مستمر ودائم؟، بهذا يأتي عام 2040 وكل هدف أصبح نتيجة، وكل مبادرة غدت واقعاً نراه فنفتخر به، ويسعد أبناء عمان بمنجزه.

حفظ الله تعالى عُماننا الغالية، وسلطاننا المعظم، وشعبنا الكريم، وأن تغدو الرياضة العمانية حيث نتمنى ونأمل.