د. عبدالله باحجاج
بُعيد نشر مقالي المُعنون "شاب يقوده طموحه إلى حروب في الصحراء" المنشور في 21 نوفمبر الماضي بجريدة الرؤية، تواصل معي مسؤولون رفيعو المستوى من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، طالبين صورًا عن طبيعة الدودة التي يُحاربها الشاب شبيب بن علي غواص الكثيري في محصوله للذرة في شصر بمنطقة النجد في محافظة ظفار، والتي تكلفه مبالغ مالية كبيرة من خلال شراء عدة مبيدات، وليس واحدا، فالدودة يكون لديها قابلية على التأقلم مع المبيدات المستخدمة بسرعة فائقة، أو يكون وراء تجددها بيضها في التربة، لذلك يلجأ الشاب المكافح إلى التعدد والتنوع في المبيدات، والأغلى كلفة، مما يكبده الأموال حفاظا على محصوله من هذا الغزو.
أثارني كثيرا عملية الإلحاح في طلب المعلومات والصور عن هذه الآفة، وبعيدها علمت أنَّ مقالي فتح لهم طريقا بحثياً عن مسألة ما، يدور حولها القلق من وجودها في مزارعنا، ودون تردد زودتهم بالصور والمعلومات التي استقيتها من زيارتي للنجد، والتي كانت مادة لكتابة المقال سالف الذكر.
وفي اليوم التالي، تفاجأ الشاب وأبوه، باتصالات تطلب لقاءهما مكتبيا سريعا، وزيارة محصوله في الصحراء عاجلا، ففعلا، وذهب خبير زراعي لموقع الحدث على وجه السرعة، فوقف على حجم المشكلة ميدانيًا، وتسربت لي معلومات فورية بأن هذه الدودة فتّاكة، وتدمر مجموعة واسعة من المحاصيل، تصل وفق تقديرات استقيتها من المحرك جوجل، إلى 60 محصولا بما فيها الذرة، وهي ظاهرة مقلقة في بعض الدول، بما فيها اليمن المجاور، ويطلقون عليها "الحشد الأمريكي"، ويُطلق عليها دوليًا اسم "الحشد الخريفي".
وأثناء متابعاتي لهذا الخطر، وجدت أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" قد أطلقت الحراك العالمي لمكافحة الحشد الخريفي، هكذا تسميها كذلك، بقيمة 500 مليون دولار كرد فعل عاجل على انتشار الدودة منذ عام 2019، كما قامت بعض الدول المجاورة بحملات مؤسساتية واجتماعية للقضاء عليها في مهدها، غير أنَّ هذا لم يحدث في بلادنا حتى الآن، لماذا؟ ماذا ننتظر؟
في مقالي اليوم، أوجه مجموعة تساؤلات لوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه؛ منها: ماذا كان يستوجب بعد زيارة الخبير الزراعي للنجد، واكتشافه هذه الآفة الفتاكة في محصول هذا الشاب؟ كان ينبغي إرسال حملات الرش المتخصصة والفعالة، وفرق الإرشاد والتوجيه للمزارعين لكيفية التعامل مع هذه الآفة إذا اكتشفت في مزارعهم، وهذا لم يحدث حتى الآن.
لم يكن الحماس والجهود بعد اكتشاف هذه الآفة، مثل ما كان قبل الاكتشاف، فالاكتشاف كان بتاريخ نشر المقال سالف الذكر، في 21 نوفمبر الماضي، ونحن اليوم في 20 ديسمبر، أي قرابة شهر، ولم يتم تحريك ساكن، وهذا يعني أنه لأكثر من شهر لم نر أية جهود ميدانية للقضاء على الآفة الخطرة، وهذا يعني أن قرابة شهر، وهذا هذا الشاب يواجه هذه الآفة وحيدًا في الصحراء بإمكانياته المتواضعة، وكلما يتمكن من القضاء على الدودة، تظهر مجددا؛ لأن بيضها في التربة، وقد زرتُ شصر مجددًا قبل أسبوعين، ووقفت للمرة الثانية على حروب هذا الشاب ضد الحشد الخريفي.
واللافت في جهوده إقدامه على تعزيز جهود مواجهاته الفردية، ووقفت على نجاحاته، ورغم ذلك، الخطورة لا تزال قائمة، ولن يتمكن لوحده من القضاء عليها نهائياً، وهذا عمل مؤسسات الدولة الحكومية والرسمية، لو تواصل هذا الشاب، أو علمت منظمة الفاو، لسارعت بالتدخل لأنها تعني معنى التدخل العاجل للقضاء على الحشد الخريفي.
علماً بأنه قد تم تصنيف نسبة خطورة الحشد في محصوله هذا بنسبة 36% في المئة، وهذه نسبة عالية في الخطورة، وتهدد بتدمير محصوله، وبانتشارها في مزارع في النجد، كما إنها- أي هذه النسبة- تضعنا أمام مستوى الحروب المكلفة جهدًا ومالًا لهذا الشاب حتى الآن، وخسارته لهذا الموسم- لا قدر الله- ستكون مؤثرة عليه لكل المواسم التالية، أو تؤثر- لا قدر الله- على طموحاته بعيدة المدى، والتي أوضحتها في المقال السابق، إذا لم تتدخل الوزارة في مساعدته للقضاء على الآفة، وتعويضه ماليًا.
وكما قلت في المقال السابق، فإن هذا الشاب لجأ إلى زراعة الذرة في النجد عوضًا عن استيرادها من الخارج بعد أن أفتتح مشروعا صغيرًا متطورًا في صلالة الجديدة لبيع الذرة، وكل من يعرفه، سيجده شابًا نموذجا لعصاميته وواقعيته في زمانه. إذن.. إلى ماذا نُرجع سلبية الفعل الرسمي سواء محليًا أو مركزيًا حتى الآن؟ ومتى سنرى نتائج هذا الفعل بعد هذا المقال؟ المتابعة مستمرة!