صناعة الفساد!

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

(1)

مرَّ الأسبوع سريعًا بين شدٍّ وجذب، وتسلَّلت معه أحاديث أسقطتْ أوراقًا متيبِّسة، سَتَرتْ فكرة أو مقترحًا أو حوارات متذبذبة، وشدَّتني تغريدة غريبة عن عدم التَّشهير بالمرتشي والفسادين؛ لأنَّ له عائلة، ودار حوارٌ بين زميل عمل خَتَمهُ بالقوله: "يجب عليكِ التريث، وعدم مُناقشة من هم أعلى؛ حتى وإن كان النقاش مشروعًا".

حسنا.. ماذا سيحدث إذا صَمَت الجميعُ ولم ينتقد أحدٌ ما انتقادًا صحيًّا؟ هل نحن نصنع الطغاة أم نستبدلهم؟

(2)

توظيف شعار حرية التعبير.. حين يُنتقد أداء مسؤول فلا يعني هذا أنه انتقاد لشخصه، وإن كان في أكثر الأحيان يتحول إلى شخصنة، ويثير حنقَ الكثيرين ممن يُفضِّلون العمل بصمت، وحين أقول "انتقاد" فإنني أعنى الانتقاد الصِّحي وليس المسيء؛ فالنقد ليس سبابًا وليس تقييمًا وتصويبًا، ولا يعد مَسَاسًا بشخص، إنما هو فقط انتقاد الأداء والسلوك المتبع، يحقُّ لك ولي ولنا أن ننتقد دام أنَّه يصب في مصلحة عامة تؤثر على الجميع. وهالني تساؤل: هل يُوظَّف شعار حرية التعبير بالشكل الصحيح وكما ينبغي؟ لا أعتقد؛ فالأغلب لا ينتقد الشخص بحجَّة تقويم سلوك أو تعديل قرار، بل يستخدم حرية التعبير لإثارة زوبعة تُعِيد قائلها إلى دائرة الضوء. المُثير للاهتمام أنَّ اتفاقَ الكثيرين على شخصنة المنصب أو المقعد، وحمل الجُمل محملًا شخصيًّا. إذن؛ هل نحن نؤمن بحرية التعبير، أم نحن نشخص النقد ونحوله إلى معركة شخصية؟ وهل نحن نؤمن حقا بحرية التعبير أم ندَّعي الإيمان؟!

(3)

التَّستُّر على الفسادين من باب أنَّ لهم عائلة، كمن يستشهد بالقول: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا". عجبًا، المرتشي الفاسد رضي أن يأكلَ حرامًا، وأن يُشبِع أبناءه وعائلته حرامًا، فيجب عليَّ أنا أن ألتمس له العذر، وأراعي البُعد الإنساني والعائلي، وهو البُعد ذاته الذي لم يُراعيه هو قبل الشروع بالنهب. رَاعُوا الضحية ولا تُنتقد السارقة (!) أليس الأمر كتضامُن مع السارق والمسروق، وكأنَّه انتقاد للضحية على إهماله وعدم حِفظه ممتلكاته في خزانة محصنة. في الواقع قد يميل البعض إلى البُعد الإنساني المَحْض والقيم العالية الرفيعة، وهي بذاتها سلاحٌ يخلق طغاةً جُدد يستمتعون بفضيلة القيم.

(4)

هل تختار الحنكة أم التنازل؟ إذا وَقَعتَ بين مُفترق طرق، وتوجَّب عليكَ الاختيار؛ فإيهما تختار: الحنكة أم التنازل؟ بحثتُ عن الإجابة فلم أجد جوابًا ولا أعلم ماذا سأختار، ولكن أثار فضُولي طرح هذا السؤال للجميع: ما هو خِيَارُكم الحنكة في مسايرة الجميع دون تحقيق مصلحة عامة، أم التنازل عن بعض المبادئ والعيش بسلام؟ وهل وضع أحدكم بصمته على صناعة طاغٍ أو حاول أن يستبدله بآخر أقل شِدَّة؟