الربع الخالي لم يعد خاليًا

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

بعد أن تصافحت الحكمة العمانية والحِنكة السعودية، وبعبارة أخرى بعد أنْ جلس الكبار في مجلس الحكمة والعقل والفكر، وهي المجالس التي ترتدي ثوب المدارس العلمية والعملية، والدروس الخصوصية المجانية لمن أراد أن يتشبه بالكبار، كل ذلك أثمر درسا قويا، ونتيجة مذهلة؛ ذلك لأن الكبار يظلون كبارا، وإنْ قرروا يومًا ما أن تتلاقى أيديهم، وتتعانق أفئدتهم؛ فلا يقف أمامهم شيءٌ، حتى الجبال الشاهقة تتزحزح طوعا أو كرها، من طريقهم، والبحار ينفلق بطنها؛ فكان كل فِرْقٍ كالطود العظيم ليسلكوا فيها سُبُلا فِجاجا، والكثبان الرملية جاءتها ريحٌ عاصف تدمّر كل شيء بإذن ربها، كل ذلك كان بأمر الواحد الأحد جلّ في علاه.

نعم، تعانقت الحكمة العمانية والحِنكة السعودية؛ فانهمرت مشاعر الشعبين العماني والسعودي فرحا واستبشارا بهذا التآخي الكبير الذي يزداد يوماً بعد يوم متانة ورسوخا للمضي قدما إلى آفاق أرحب وآمال أوسع.

إنّ عمان أثبتت منذ جيفر والجلندى إلى يومنا، وهي تسير بنهج واضح وخُطى ثابتة وخطٍ مستقيم لا إعوجاج فيه، جعل ويجعل من الآخرين، ينثرون تحت أقدامها أكاليل الورود، ويبرمون معها المواثيق والعهود، ويخطبون ودها، ويتقربون منها، لأنّ صفحتها بيضاء لم تتلطخ بطمعٍ أو خيانة مع القريب والبعيد، ورايتها ترفرف على رابيتها ناصعة البياض؛ فليس غريباً بعد ذلك وقبل ذلك أنْ نسمع ونُشاهد، سباق الدول والحكومات والحكماء في مد جسور التعاون والتقارب خاصة من الأشقاء.

وعُمان تنهج منهجا ربانيا فمن تقرّب إليها بشبرٍ، تقربت إليه بذراع، ومن جاءها ماشيا، أتت إليه مهرولة، ومن مدّ لها يدا واحدة مدّت له يديْن وعانقته مرتين، ومن حيّاها بتحية، حيّته بخير منها أو ردتها إليه غير ناقصة.

بهذه الأخلاق الراقية وهذا التعاون الكبير وهذا التقارب التاريخي جعل الربع الخالي ينبض بالحياة؛ فسيروا فيه لياليَ وأياماً آمنين؛ لأن ربعكم الخالي من الحياة لم يَعُدْ خاليا بعد اليوم.