3 أطفال على قارعة الطريق

 

سالم بن نجيم البادي

محمد وغيث وقيس.. 3 أطفال يبيعون الشاي والطعام على الشارع العام في منطقة وادي المعيدن التابعة لولاية ينقل، وهذا الشارع هو همزة الوصل بين الباطنة والظاهرة.

محمد يدرس في الصف العاشر، وغيث في الصف الثامن، وقيس في الصف الخامس، حدثني غيث قائلاً: "نجلس في انتظار الزبائن من الساعة 2 ظهراً وحتى الساعة 9 ليلا"، وحين سألته متى يذاكرون دروسهم ويحلون فروضهم قال: "نأخذ كتبنا ودفاترتنا معنا إلى الشارع". وقد رأيتهم يجلسون تحت شجرة السدر وفي أيديهم كتبهم، وإذا حدث وأن توقفت سيارة هرعوا إليها بفرح ظاهر، ولا أعلم كيف تكون المذاكرة مع ضجيج السيارات المارة بسرعة ومع المشتتات الكثيرة الأخرى.

هؤلاء الأطفال ينتظرون على قارعة الطريق 8 ساعات وهو وقت طويل جدًا، إذا علمنا أنهم يعودون من المدرسة الساعة 1:40 ظهرا، وأن بعض أقرانهم ينامون وقت القيلولة حتى العصر وفي الغالب يتجمعون ويلعبون كرة القدم في ملعب الحارة أو يمارسون رياضات أخرى ويستمتعون بأوقاتهم.

هذا يجعلنا نتساءل عن الأسباب التي تجعل الأطفال الثلاثة يتحملون مشقة هذا العمل، هل هو الفقر والحاجة إلى المال؟ أم أنه الطموح والرغبة في الإنجاز إن صحت تسمية ما يقومون به بـ"الإنجاز"؟ هل أصبح البيع في الشوارع ظاهرة في بلدنا؟

وهل توجد جمعيات خيرية تشجع هذا العمل وتوجد له مسميات مثل الأسر المنتجة ومسميات براقة أخرى؟ وهل توجد جهات رسمية تقوم بدراسة حالة الأسر والأطفال الذين يبيعون في الشوارع وإيجاد الحلول المناسبة لهم، وخاصة الأطفال الذين لايزالون على مقاعد الدراسة حتى يتفرغوا لدراستهم ويعيشون حياة الطفولة والبراءة  والحرية والانطلاق؟

تكلمت مع والدة محمد وغيث وقيس، وأخبرتني أن أسرتهم تتكون من 8 أشخاص، وأن ما يتبقى من راتب الأب المتقاعد منذ فترة طويلة هو 95 ريالاً و5 ريالات تبقى في الحساب البنكي والباقي أقساط شهرية للبنك.

وإذا عُرف السبب بطل العجب، فأسرة مكونة من 8 أفراد ودخلها 90 ريالا ولا تملك سيارة مع الغلاء الفاحش ومتطلبات الأبناء الكثيرة، فكيف تتدبر أمورها المالية؟ أين التكافل الاجتماعي والزكاة ودور الجمعيات الخيرية ورجال الأعمال والشركات الكبرى وأهل الخير والإحسان وأصحاب الأموال؟

لا أريد هنا إلقاء اللوم على جهة معينة، ولا حتى على هذه الأسرة التي دفعت بأطفالها إلى قارعة الطريق في الأجواء الحارة صيفاً والباردة في الشتاء، وشغلتهم عن التفرغ للدراسة والطفولة مع الإرهاق الذي يعانون منه بعد اليوم الدراسي الطويل.

أرجو أن نجد لهم العذر ونقدر ظروفهم القاهرة، وأحوالهم التي لا نعلم عنها إلا القليل، وللبيوت أسرار لا يجوز لنا  اقتحامها.

أقول هذا بعد أن سمعت من ينتقد هذه الأسرة، وخاصة فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي للأطفال الثلاثة، وهذه دعوة لدعم محمد وغيث وقيس وأسرتهم حين تمرون عليهم توقفوا برهة، وخذوا من بضاعتهم حتى لو كوب شاي كرك، فإن ذلك يدخل الفرح إلى قلوبهم الغضة، ويشعركم أنتم بالرضا والسعادة.