طالب المقبالي
نعم إنه المقال رقم 300، وربما يكون المقال الأخير، من أجل أخذ استراحة مُحارب كما يقال؛ فهناك أعباء أخرى تنتظرني وهي مؤجلة لما بعد مرحلة التقاعد، وقد ذكرتها سابقاً في أكثر من مقال، ضمن مقالاتي التي خصصتها لموضوع التقاعد الذي كان يخيم كالشبح في مخيلتي بين الخوف والرجاء، وبين تحقيق الطموحات وبين الانطواء عن الناس والمجتمع.
لكن بعد أن أصبح التقاعد واقعاً وحقيقة أدركت أن التخطيط السليم يأتي بنتائج إيجابية مثمرة، فقد استعرضت في مقالي بعنوان "وماذا بعد التقاعد" المرحلة الانتقالية في حياة الموظف، من عالم القيود والرسميات والأوامر، إلى عالم جديد يتطلب تخطيطا مسبقا، وتهيئة لمرحلة جديدة يكتنفها الغموض، وتتبادر إلى الذهن هواجس يصاحبها القلق والخوف من العالم الجديد، وقد ذكرت في مقالي أنه يجب على الإنسان أن يخطط مسبقاً ليعيش شيخوخة نشطة مليئة بالأحداث والفعاليات، بعيدة عن التكلف والرسميات.
لقد كتبت هذا وأنا ما زالت أمامي بضع سنوات قبل التقاعد، لكنني كنت أفكر في الأمر كثيراً، وقد وضعت عدة خُطط لمُستقبل آمن مليء بالعمل والجد والنشاط، ووضعت لنفسي خارطة طريق تؤمن لي مستقبل المرحلة القادمة. واليوم وأنا أعيش هذا الواقع والبدء الفعلي لتنفيذ تلك الخطط أجدني منشغلًا أكثر مما كنت قبل التقاعد. فالخطط والأجندات التي وضعتها أصبح تنفيذها يستنزف جل وقتي وطاقتي، وأجدني عاجزًا عن الوفاء بكل التزاماتي التي كنت أزاولها وأنا على رأس عملي الرسمي، ولذلك بدأت في تقليص المهام والأدوار التي كنت أقوم بها خشية التقصير في أدائها على أكمل وجه، كما كنت سابقاً. ومن أهم المهام التي لم أتصور أن يأتي اليوم الذي أتخلى فيه عنها وهي مراسلة وكالة الأنباء العمانية، وجريدة الرؤية، وقد كانت تربطني بهما- وما زالت- علاقة أسمى من أية علاقة، ولهذا من الصعب جدًا أن أترك هاتين المحطتين في حياتي، ولكن لهذه المرحلة ظروفها، ولابد من التضحية ولو بأعز الأشياء من أجل نجاح المرحلة التي بدأت خوض غمارها، والتي تتمثل في تأسيس صحيفة خاصة تتوج مسيرتي الصحفية المُمتدة من عام 1985، وما زالت مستمرة، وستستمر بإذن الله إلى نهاية العمر.
فالجميل ذلك الإحساس أنك تؤسس مؤسسة صحفية لها اعتبارها ولها مكانتها، وتكون أنت على قمة هرمها بعدما كنت خلال ثلاثة عقود ونصف مراسلًا في وكالة أو في صحيفة لا تمتلك فيها سوى إرسال الخبر، ويكون قرار النشر ليس بيدك وإنما بيد الآخرين.
هذه هي النقطة الأولى، والنجاح الذي سعيتُ من أجله قبل خمس سنوات من التقاعد، واليوم أصبح حقيقة واقعة ولله الحمد والمنة.
أما المخططات الأخرى، فقد تحقق أحدها مع بداية التقاعد في عام 2020 ولله الحمد، وتبقى هناك مجموعة من الخطط، ومن أهمها الشروع في تأليف بعض الكتب، وقد ذكرتها في مقالات سابقة، فأنا كثير الحديث عن نفسي، وعن مخططاتي، ولا أخفي شيئًا، لعلي أفيد بها الآخرين وأكسب من ورائها الأجر والثواب من عند الله عزَّ وجلَّ.
المشروع الذي أعمل فيه حالياً هو إتمام كتاب والدي رحمة الله عليه، والذي أجد من أجله ضغوطًا من أفراد المُجتمع، والحث على إنجازه بأسرع وقت ممكن، لما للوالد- رحمه الله- من مكانة لدى أفراد المجتمع المتعطشين للغوص في خصائص هذه الشخصية العمانية المرموقة. فالوالد رحمه الله تعالى عمل في القضاء في عهد 4 حكام حكموا هذه البلاد، فكان أولهم الإمام محمد بن عبدالله الخليلي- رحمه الله- وآخرهم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه.
وهذا العمل يتطلب مني التضحية بأغلى ما أملك، فالمُضحَّى من أجله يستحق كل التضحيات، وإن كانت التضحية بالنفس بأسرها.
وهناك كتب أخرى، أحدها اكتمل بهذا المقال وهو كتاب "رسائل" في جزئه الثالث، وكتابان آخران سأعلن عنهما لاحقًا بعد التأكيد، وإن كنت قد ذكرتهما سابقًا، فالظروف تتغير، والإمكانيات قد لا تتوافر، ولذلك لا تأكيد على هذه المشاريع، وقد اكتفي بما أنجزت، وأتفرغ بعدهما لإدارة صحيفة النبأ الإلكترونية التي تتطلب الكثير من التضحيات لمواجهة التحديات.
كذلك المقالات حسب النهج الذي اتبعته من خلال رسائلي، لم تعد تؤت ثمارها كما كانت في السابق، ولم تعد الجهات التي نستهدفها تصغي لمقالات الكتاب جميعًا، ولستُ وحدي أعاني من هذا التهميش؛ فالأنظار وُجهت نحو وسائل التواصل الاجتماعي لأنها أكثر انتشارًا، وأكثر متابعة من قبل الجماهير، وتتيح خاصية التواصل المباشر بين المؤسسات والجمهور.