واحدة لا تكفي!

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

 

وأنت تقرأ عنوان هذا المقال أجزم أنَّك تتوقع أنني سأتحدث عن تعدد الزوجات، وربما شيء آخر، ولا أعتقد أنك أدركت أنني أقصد لا تكفي زيارة واحدة إلى صلالة للاستمتاع بأجوائها الخيالية الرائعة.

نعم أعني ذلك، فزيارة واحدة، أو زيارة خاطفة لصلالة لا تكفي، فصلالة تستحق أن تزورها مرات ومرات خلال موسم الخريف، أو أن تمكث فيها أشهر الخريف الثلاثة بأكملها، وربما البعض يفكر بما أفكر به للاستماع بأجوائها الرائعة وطبيعتها الخلابة، لقضاء أكبر وقت ممكن، وهو شراء منزل هناك وقضاء جل وقت الخريف هناك، فهذا أفضل استثمار للراحة والاستمتاع. لو كنتم معي وأنا أكتب هذا المقال لقلتم معك حق بالفعل صلالة تستحق هذا كله. وأنا أكتب هذه الكلمات والضباب يغطي كافة الأرجاء المحيطة بي وأنا داخل سيارتي، ومن حولي وعن يميني وشمالي بساط أخضر على مد النظر.

هذه الأرض التي حباها الله تعالى وخصها عن سائر البلاد العربية بهذه الخاصية الفريدة في أشهر الصيف الملتهب في ولايات السلطنة ودول الخليج العربي. وبالعودة إلى العنوان وتطبيقاً لمضمون المقال فقد زرت صلالة مرتين هذا العام في شهر أغسطس؛ الزيارة الأولى كانت بصحبة الأسرة التي لها الأولوية في الترحال والسفر، فكما نحن نحتاج إلى الترحال والاستجمام فإن الأسرة التي تقضي جل وقتها في المنزل فإن لها الحق في الراحة والاستمتاع أيضًا؛ بل وأراها أحق في ذلك فخروجها محدود مقارنة بالرجال الذين يشاركون في الفعاليات التي تقيمها مؤسسات العمل، أو تقيمها الجمعيات التي ينتمون إليها.

فكان الخيار الأول هو السفر مع العائلة، وقد قضينا أسبوعاً من أجمل الأسابيع، وإن كان أسبوع لا يكفي، إلا أن الأحوال المادية لا تسمح بأطول من ذلك خاصة أنه في المخطط رحلة أخرى شبابية، وتكون هذه الرحلة خاصة للاستكشاف والتخييم والتصوير، مما لا يمكن ممارسة التجارب مع الأسرة، حيث تعتبر الرحلة الشبابية رحلة الاستكشاف، وتسجيل الملاحظات للأماكن التي تستحق الزيارات العائلية في العام المقبل.

أما رحلتي الثانية، فقد زرت ضلكوت على الحدود اليمنية، وهذه التجربة أجلتها للاستكشاف فيما إذا كانت صالحة لزيارة العائلة وليس فيها شيء من التعب والمشقة. وهذه الرحلة كانت مغايرة تماماً لرحلة العائلة؛ حيث سلكنا طريق محوت مروراً بولاية الدقم التي أخذنا فيها جولة، ثم تناولنا فيها الغداء قبل مواصلة المسير، فكانت رحلة أقل ما توصف به أنها رائعة، حيث مررنا بمحاذاة الشواطئ أحياناً والتلال والمرتفعات، والتقطنا أجمل الصور.

نعم كانت رحلة أطول من طريق نزوى ـ هيما، إلا أنها ممتعة، والغريب وجود محطات تعبئة الوقوع بكثرة وبدون زحام كما هو الحال في طريق هيما.

والمصادفة الجميلة أننا سكنا في قمة جبال جوجب التي لا ينقطع عنها الرذاذ طوال اليوم، فعندما نصحوا في الصباح نجد الضباب والخضرة تحيط بالمكان، فأقول لمرافقي بالله عليكم أين تريدوننا أن نذهب ونحن وسط الجنة؟ فالذي جئنا نبحث عنه وقد قطعنا مئات الأميال من أجله، نحن الآن نعيش في وسطه، وبالفعل نعد طعامنا في المنزل، ونشوي الشواء خارج سور المنزل والرذاذ يطفئ عنا الفحم ونحن في قمة السعادة.

وبعد اكتمال أسبوع من المتعة والاستكشاف، وفي صباح يوم الجمعة 27 أغسطس 2021 ونحن نهم بركوب السيارة دخلت إلى المنزل مسرعاً لأغسل يدي من الطين الذي علق في يدي وأنا أغلق الصندوق الخلفي للسيارة شاءت قدرة الله أن تنزلق رجلي وأسقط على رأسي وكتفي الأيسر في فناء المنزل الرطب، فأصبت بكسور بليغة في ستة أضلاع، إضافة إلى عظمة الكتف والتي تسمى  الترقوة أو (الشوقب)، ومكثت شهرين حتى أُشفى.

والغريب أنَّ هذه الحادثة قد نالت من الشائعات ما نالت، فمنهم من قال ذهب للتصوير وسقط بكاميرته من الجبل، ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك فقال سقط هو وسيارته من أعلى الجبل، ومنهم من قال وقال مع اختلاف الروايات، وأصبحت حادثتي حديث المجالس ومتعة لتداول الشائعات.

بعد أيام من الحادث سألني أحدهم، هل تفكر أن تذهب إلى صلالة بعد هذا الحادث؟ قلت لهم إذا تطوع أحد أن يحملني الآن إليها سأذهب فوراً، فما دخل صلالة بقضاء الله وقدره، فلو حدث لي هذا الحادث في منزلي هل أهجره؟