توظيف العمانيين.. التحديات والحلول (1)

هلال بن حمد النعماني

إنَّ المتأمل في مشكلة الباحثين عن عمل في هذا الوطن العزيز ستدهشه مفارقة عجيبة، وهي أنه في حين أن هناك عشرات الآلاف من الباحثين عن عمل من المواطنين يقابلها مئات الآلاف من فرص العمل للوافدين، وأن حوالي نصف سكان السلطنة هم من غير العمانيين وهؤلاء لا يُعانون من بطالة، إذن المشكلة ليست في توافر فرص العمل فهي موجودة وبكثرة، وقد تكون المشكلة في تأهيل الكوادر الوطنية أو استراتيجيات التوظيف والإحلال بشكل عام.

لكن من وجهة نظري، فإنَّ المشكلة الحقيقية أن الوافد- وغالبًا الآسيوي- مُسيطِر على المشهد الاقتصادي في البلد ويُدير عدة قطاعات مُحددة، فالعمالة الوافدة هي المشغل الأكبر للاقتصاد وتساهم بصورة كبيرة في تحريك النشاط الاقتصادي والتجاري، وتملك وتدير بصورة مباشرة وغير مباشرة الكثير من الأصول الاقتصادية، وتمارس الاحتكار الاقتصادي بدعم وتغطية من بعض المواطنين أصحاب الأعمال، كما إنها من تحتكر التوظيف لجنسيات بعينها، وهي من تقوم بتحويل الأرباح والمدخرات خارج الوطن. والنتيجة الطبيعية لذلك تحديات اقتصادية وطاقات شبابية غير مُستفاد منها.

مشكلة الباحثين عن عمل إحدى الإشكاليات البنيوية في اقتصادنا الوطني، وأضرب مثالاً على ذلك، أنني قبل سنة تقدمتُ بطلب الحصول على خدمة الإنترنت المنزلي، فتفاجأت بأن الشركة التي تقوم بالتركيب أرسلت وافدين لإنجاز العمل وبعد الاستفسار تبين أن الشركة التي تقوم بالصيانة والتركيب هي شركة خاصة متعاقدة مع شركة الاتصالات ويديرها أحد الوافدين والذي بدوره وظف فيها موظفين من جنسيته، وأنَّ العمانيين الذي يعملون في هذه الشركة اثنين فقط. في هذا المثال رجل أعمال عماني أنشأ شركة يُديرها وافد وتعمل لحساب شركة حكومية دخلها السنوي بملايين الريالات، وأن المدير الوافد وظّف وافدين بينما المواطن العُماني خارج الحسبة، وكان بإمكان شركة الاتصالات الحكومية إنشاء شركة تابعة لها يُديرها عماني ويعمل بها عمانيون تقوم بأعمال الشركة الخاصة. وهذا نموذج من نماذج كثيرة لعدم الاستفادة من المواطن في تحريك عجلة الاقتصاد.

التجارة من أقدم وأعرق المهن التي مارسها الإنسان العماني، وفي سبيلها اجتاز الفيافي والقفار ومخر عباب البحار، فالعماني تاجر بفطرته، وبسبب عشقه للتجارة ارتحل إلى الصين وشرق أفريقيا والهند وغيرها من أصقاع العالم، احترف التجارة كمهنة وجملها بقيمه وأخلاقه العمانية سلوكا تجاريا رفيعا، فاكتسب احترام من تعامل معهم، وشكل همزة وصل بين مراكز التجارة العالمية، واستوطن في العديد من البلدان، فشكل جاليات عُمانية لا زالت موجودة ليومنا هذا. وفي يومنا هذا أيضًا أصبحت التجارة في وطننا العزيز بقضها وقضيضها وأكثر من تسعة أعشارها في قبضة الوافد الآسيوي استحلها واستولى عليها بسبب تقاعس البعض منِّا، فقد كانت المحلات سابقًا مزدانة بالتجار العمانيين فجاء الوافد كعامل ثم أصبح تاجرًا ومستثمرًا وبالتدريج شكل لوبيًا يتحكم في التجارة؛ بل حتى إذا ذهب المواطن ليبيع على قارعة الطريق جاء الوافد لينافسه.

إنَّ الثروات الزراعية ونسبيًا السمكية ليست أفضل حالًا من التجارة؛ حيث يعمل بها الوافد فيجني خيراتها، فالمزارع إما خاوية على عروشها، تُركت لتموت وإما يعبث فيها الوافد يُدمر تربتها بالأسمدة والمبيدات ويستنزف ماءها لتصبح أرضًا يبابًا غير صالحة للزراعة وقليل من المزارع- على كثرتها- يُشرف عليها أصحابها وتُستثمر كمزارع إنتاجية. كما إن خيرات البحر لم تسلم من منافسة الوافد للصياد العماني في مهنته؛ بل إن مهنة الصيد أضحت مرتعًا خصبًا للعمالة السائبة. أضف إلى ذلك، أن الوافد تسلل إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تحظى بالدعم والتشجيع، وتهدف إلى تمكين المواطن لإدارة مثل هذه المشاريع.

لقد عرضنا صورة مبسطة وسريعة للسبب الحقيقي لمشكلة الباحثين عن عمل، وفي الأجزاء اللاحقة من هذا المقال، سنسلط الضوء على بعض الحلول التي ستسهم في حل المشكلة.